د. محمد عبدالله العوين
«الجنادرية» أكبر محفل حواري فكري وثقافي في العالم العربي.
لا أقول هذا جزافاً؛ بل يشهد التاريخ على ذلك.
في رحابه يجتمع كل عام قرابة أربعمائة ضيف ويلتقون بمئات المفكرين والأدباء والمثقفين السعوديين، ويدور حوار له صفتان؛ رسمية على منصات الحوار في الندوات بورقات العمل العلمية التي جمعت في كتب متوالية الصدور، وعفوية في بهو الفنادق وردهاتها، حيث تتأكد المعرفة ويتعمق التواصل بين المفكرين والمثقفين العرب ونظرائهم السعوديين.
أردت الاستهلال بهذا المدخل لوضع هذه الحقيقة التي يفخر بها كل سعودي يعتز بإنجازات وطنه، ولنواصل البناء عليها وتصعيدها إلى آفاقها العليا.
كان ولا يزال لدينا - مع الأسف - قصور في خطابنا الإعلامي الموجه للخارج، وفي تواصلنا مع العربي القريب والآخر البعيد، وسد هذا المهرجان مع ملتقيات أخرى كدعوات الحج التي توجهها جهات حكومية عدة، ودعوات معرض الكتاب الدولي وإن كانت محدودة، ومهرجان عكاظ شيئاً من عدم وضوح شخصيتنا الإبداعية عند القريب والبعيد.
وتستدعي الضرورة الحضارية والوجودية إبراز شخصيتنا بمنجزاتها الفكرية والعلمية والإبداعية في المجالات كافة بالذهاب إليهم وبدعوتهم إلينا. لن يفهمنا الآخرون إلا بعد أن نحسن تقديم أنفسنا إليهم وبأساليب عفوية وفق شخصية الند للند؛ فكما أن لديهم فكراً وإبداعاً أدبياً نحن كذلك لدينا الفكر والفن والإبداع الأدبي؛ شعراً وروايةً وتراثاً شعبياً، نحن أول من نطق الضاد وعلمها، وأول من اخترع موسيقا الشعر وأبدعه، وبحضور المنجز السعودي وتجلي مبدعه في المحافل العربية والدولية من معارض دولية للكتاب ومهرجانات للثقافة والفن تتساقط الأكاذيب التي لفقها المغرضون، أو على أحسن الظنون تتلاشى الصورة السلبية التي تكونت نتيجة الجهل بشخصيتنا، وعلينا أن نحتمل جزءاً ليس يسيراً من مسؤولية غياب الإبداع السعودي عن الحضور بالبهاء وبالتأثير الذي يتمناه كل مخلص محب لهذا الوطن العظيم.
وفي زمن الحروب الإعلامية الموجهة إلينا من جار صغير ينتمي إلى فصيلة «ذوي القربى» وغيرهم ممن في قلوبهم مرض استثمر الكارهون أخطاء لأفراد لا يمثّلون مجتمعنا؛ بل تتكرر اقترافات شبيهة لأخطائهم في الأمم والحضارات الأخرى؛ في زمن صعب كهذا لا يفل الحرب الإعلامية إلا حرب إعلامية مثلها؛ لكن أكثر واقعية ودهاءً وإقناعاً وأخلاقية بتقديم الحقائق عن طريق الخطاب الفكري والثقافي والإبداعي والفني وجهاً لوجه مضيفاً أو مستضافاً، راحلاً أو مستقبلاً.
ليس لنا خيار إلا أن يقرأنا ويسمعنا ويشاهدنا الآخرون بكل اللغات.
يقول أرسطو: تحدث كي أراك.
والإبداع الأدبي والفني، حتى اللوحة والفلكلور والأهازيج والموسيقا، الإبداع بمجمله يتحدث عنا ويصورنا ويبني الجسور بيننا وبين العالم.
لا زلنا نتكئ على ثقتنا بأنفسنا بأننا خيرون وطيبون ونحب الخير للعالم؛ لكن هل هذا يكفي ليفهمنا العالم كما نحن؟
الجنادرية بنت لنا بعض الجسور، وعلينا أن نمدها إلى أقصى نقطة في العالم. يتبع..