أ.د.عثمان بن صالح العامر
هناك عوائل سعودية خيمت طوال أيام الإجازة في أحد الأودية الملائمة للتخييم، مع أن الجو كان بارداً نوعاً ما، والليل طويل. ومثل هذه التجارب تعد دورة تدريبية للأبناء والبنات على صعوبة الحياة بعيداً عن رفاهية المدينة والعيش المنعم وسط البيوت الدافئة والغرف المجهزة بكل وسائل الراحة والدعة والسكون.
أعرف أن هناك في القطاع الخاص من سعى لجعل الرحلات البرية «متعة بلا تعب» ولكن مع ذلك يبقى للمبيت في البر ضريبته التي قد لا يقدر البعض منا على دفعها لما ألفه من حياة مرفهة ومنعمة لا تعرف للخشونة طريقًا.
نعم، هذا الاختيار لقضاء إجازة نصف العام قد لا يروق للبعض من الأولاد والأحفاد الذين يريدون أن يقضوا إجازتهم حتى ولو كانت قصيرة في الفنادق ذات الخمس نجوم القابعة بعاصمة من العواصم العالمية المشهورة بالسياحة الشتوية، ولكن التخييم -في نظري- اختيار يعطي درساً مهماً لجيل اليوم، فحواه تلك العبارة المأثورة «اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم».
لا أقول هذا من باب التشاؤم لا سمح الله، ولا هو سوء ظن بالمستقبل حاشى لله، ولكنه نوع من التربية الواجب على كل منا أن يدرب نفسه عليها، مع الدعاء الدائم للرب عز وجل بأن يديم علينا في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية ما نرفل فيه من خير، وفِي ذات الوقت شكره سبحانه وتعالى المستمر على ما نحن فيه من عطاء رباني عميم، إذ بالشكر تدوم النعم وتزيد.
إن هناك شريحة عريضة من شباب الوطن اكتسبوا من مثل هذه الرحلات البرية عشق الطبيعة والتناغم معها، وصاروا يجيدون الطبخ والنفخ بشكل يفوق الوصف، ويتقنون فن العيش الخشن مع أنهم منعمون في حياتهم اليومية إلا أن البر ربى فيهم كيف يمكنهم أن يجدوا المتعة واللذة في مثل هذه المخيمات الشتوية الخاصة.
ليست التربية للأولاد هي إعطاؤهم كل ما يطلبون وتوفير جميع ما يحتاجون حتى ولو كان من التحسينات التي فقدها لا يضرهم بل ربما لحق بهم الضرر من توفيرها لهم، ولذا لا بد من ضبط بوصلة العطاء حسب المواقف وبناء على معرفة الأثر الناتج عن هذا السلوك أو ذاك معهم، والأمر في النهاية يعتمد على طبيعة الابن أو البنت وكيفية تعامله مع ما يحصل عليه، حفظ الله لنا ولكم الذرية، ووقانا وإياهم شر من به شر، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.