فيصل خالد الخديدي
باتت المعارض الثقافية والتراثية وحتى التجارية والاستهلاكية منها مثار جذب للمشاركات التشكيلية ونافذة جيدة لمصافحة شريحة عريضة من الجمهور والمتلقين ونشر لثقافة الأعمال التشكيلية والفنون بشكل عام وتعريف بالمواهب الشابة واستعراض قدراتهم وطاقاتهم الإبداعية وعامل جذب للزوار والمهتمين بالفنون للاطلاع على إبداعات الفنانين والتواصل معهم بشكل مباشر, كل ذلك وأكثر يحققه الوجود التشكيلي في المعارض والملتقيات والمهرجانات حتى التجارية والتسويقية وغير المتخصصة في الشأن الثقافي، ولكن متى ما كان هذا الوجود التشكيلي حاضراً بشكل لائق ومناسب ولم يكن هامشياً ولا لملء فراغات الفعالية، فالفنون التشكيلية فعل ثقافي فني مستقل وليس ردة فعل أو تابع تسويقي لحدث ما مهما عظم هذا الحدث، فشخصية الفن والفنان الحقيقي تحتم عليه احترام ذاته ومنجزه وكينونته فلا يسرف في تقديم التنازلات ليحقق شيئاً من مصلحة مؤقتة تفقد الفن والفنانين مكانتهم، وتظهرهم بشكل غير لائق ولا يخدم الفعل الشكيلي الحق, فالفنان لا يمثل ذاته فقط في مثل هذا الظهور وإنما هو واجهة للفن والفنانين ومؤشر لمستوى ثقافة ممارسي الفنون التشكيلية، وهو ما يحتم عليهم الظهور بشكل أكثر جدية وارتباطاً بروح الفن وبعيداً عن امتهان فنونهم والانتقال بها من مستواها الثقافي والفني إلى مستوى حرفي ومهني واستهلاكي لا يليق بمكانة الفن ورسالته.
الفن رسالة إنسانية سامية تنبع من المجتمع وتؤثر فيه وتتأثر به وتسمو به بشكل إبداعي، وعلاقة الفنان بمحيطه ومجتمعه متصلة وتلامس همومه بجميع مستوياته وتفاصيله، وتواصل الفنان مع مجتمعه ضرورة وقطيعته عن محيطه وعزلته ربما تورث الخلل في تقديم رسالته وتحقيق أهدافه, ولكن الحضور المتزن والتمثيل المشرف للفنان في جميع المناسبات الممكنة، والتي لا تسيء لهذا الحضور أو تظهره بشكل لا يليق, يحقق رسالة الفنان ويحفظ للفن مكانته، والفنانين مهما كانت مستوياتهم مسؤولين عن هذا الظهور والتمثيل المشرف، ولا يلام أحد قبلهم في النظرة القاصرة للفن، فمن رضي بالحضور القاصر وقلل من قدر فنه وامتهن منجزه فهو يتحمل كثيراً من تأكيد النظرة القاصرة للفن والفنانين، وامتهان رسالة الفن بيد أبنائه أكثر سوءًا ومرارة، وترسيخاً لهذه النظرة القاصرة للفن والفنانين.