د.عبدالله مناع
من بين الأخبار المفرحة.. على قلتها، التي اختتم بها العام الماضي -2018م- أيامه.. كان هذا (الخبر) الذي تناقلته بعض صحفنا المحلية تحت عنوان رئيسي: (المجتمع يشارك في تطوير بحيرتي: «الأربعين» و»الشباب»)، الذي تقول تفاصيله الجميلة والمثيرة للكثير من الأسئلة حوله.. لمن لم يطلع عليه: (أقامت الإدارة العامة للحدائق والمرافق العامة ورشة عمل لـ»مختبر المدينة» لإعداد التصاميم الخاصة بتطوير بحيرتي «الأربعين» و»الشباب».. بالتعاون مع وزارة الشؤون البلدية والقروية، والبنك الدولي!!.. وذلك استكمالاً لمبادرة تحسين المشهد الحضري للمدينة، وتحسين الفضاءات العامة)، و(قد شهد مختبر المدينة -وهو موقع إلكتروني- مشاركة شرائح متعددة من أفراد المجتمع.. شملت طلاباً وطالبات من تخصصات مختلفة، وعدداً من مسؤولي ومستشاري الأمانة، والجهات المشاركة مثل «جمعية أصدقاء جدة» و»وزارة الثقافة»، الذين استعرضوا آراءهم ومقترحاتهم التطويرية) وأنه تخلل اللقاء: (مناقشة الاستطلاعات التي أجرتها «الأمانة» مؤخراً عبر موقعها الإلكتروني، وعلى حسابات التواصل الاجتماعي، وميدانياً.. في موقع «البحيرتين»)!
وإذا كنت أعتزم أن أستسمح القراء الأفاضل «عذراً».. في عدم حصر تلك (الأسئلة) الكثيرة، التي يثيرها هذا الخبر الجميل، في «موضوعه» وفي «تفاصيله»، والتعليق عليها.. لأنه لا طائل من وراء ذلك! فإنني لا أستطيع أن أفعل ذلك.. بالنسبة لتغييبي اسم البحيرة (الثانية) وهي (الشباب).. عن عنوان هذا «المقال» نظراً لـ(حداثتها) أمام أهمية وتاريخية «بحيرة الأربعين».. فلولا (كورنيش الحمراء)، الذي ظهر لأول مرة غرب امتداد شارعي: فلسطين والحمراء.. بعد تولي الدكتور محمد سعيد فارسي لـ (أمانتها) في أواخر سبعينات القرن الماضي.. ما ظهرت «بحيرة الشباب»، التي كانت على امتداده الجنوبي في (منطقة الرويس).. وإن لم يعلم كثيرون بـ(تسميتها) هذه خارج نطاق (الأمانة) ودوائرها...!!
أما بحيرة «الأربعين».. فهي «القصة» وهي «الموضوع»، وهي «القضية» التي كسبتها (جدة) من أيدي المتربصين بها من «سماسرة»، الأراضي و»قروشها»! بفضل أميرها الأسبق (الأمير ماجد بن عبدالعزيز).. فأميرها التالي -آنذاك- الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز، إذ لولا الأول منهما لتم دفن (البحيرة)، وتحويلها إلى أراض استثمارية تباع بآلاف وربما ملايين الريالات، ولولا.. الثاني منهما.. لما أمكن إنقاذ سمعتها من تهمة «التلوث» الذي كان يسببه تفريغ (المجاري) - من الدور والمباني التي حولها- في مياهها.. عندما أحضر إحدى الشركات المتخصصة لإغلاق فوهات تلك المجاري، وتوسيع مدخل (البحيرة) الجنوبي وتعميق قاعها.. حتى تتدفق إليها مياه البحر الكبير، وتخرج ماءه.. وفق قوانين المد والجزر البحرية، ومع أن مشروع «الأمير عبدالمجيد» في توسعة مدخل البحيرة وتعميقها، وتطويرها إجمالاً.. لم يكتمل إلا أن «النقاء» و»الزرقة».. عادتا إلى مياه البحيرة، وأخذ موجها يتواصل تدفقه من الشمال إلى الجنوب.. ومتعة النظر إليها تمتد إلى كل زوار «جدة» من الحجاج والمعتمرين والزائرين ومواطني المملكة.. إلا أن عدم اكتمال مشروع (تطوير البحيرة) فتح الأبواب مجدداً لـ(أبواق) المنتفعين بـ(دفنها).. للمطالبة بدفنها.. بينما ظل مشروع (التطوير) شاغل المدينة وأهلها، وحلم أحلامهم..
فتاريخياً، وعبر صفحاته المديدة.. شهدت جدة لحظات فارقة كثيرة في حياتها.. لكن أهمها وأولهت وأعظمها هي تلك اللحظة من عام 26 للهجرة.. عندما قدم إليها خليفة المسلمين الثالث: «عثمان بن عفان» رضي الله عنه في ثاني سنوات ولايته.. لينظر بحرها، وليرى أيهما أفضل: أبحرها أم بحر «الشعيبة»؟ الذي شكا منه العاملون في البحر.. ومن صعوبة الوصول إلى شاطئه لكثرة الشعاب المرجانية التي تحيط به! ورغم أن عثمان رضي الله عنه.. انطلق في هجرتيه إلى «الحبشة».. من «بحر الشعيبة» وعاد إليه.. إلا أنه رأى ببصره وبصيرته أن بحر جدة هو: الأفضل والأسهل ليكون (ساحل مكة).. والحرمين إجمالاً، ليكتب التاريخ يومها شهادة ميلاد جديدة.. لـ(مدينة جدة) كـ(ميناء) للحرمين الشريفين، ولحجاج بيته العتيق ومعتمريه، وزائري مسجد رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقد قيل أن الخليفة وصحبه اغتسلوا يومها في بحر جدة.. بينما تناقل بعض الرواة القول إن ذلك الاغتسال كان في بحر (الحَجر).. وهو الامتداد الجنوبي الغربي لبحيرة الأربعين.. وربما في (بحيرة الأربعين) نفسها، لكن المؤكد.. أن للخليفة عثمان -رضي الله عنه- مسجداً تاريخياً يحمل اسمه.. ما زال باقياً وقائماً إلى يومنا هذا.. بل وتؤدى فيه الصلوات الخمس إلا أنه يحتاج إلى ترميم على مستوى ترميم (مسجد الشافعي) في (سوق الجامع) بحارة (المظلوم)، الذي جرى ترميمه بـ(مكرمة) من الملك عبدالله بن عبدالعزيز -طيّب الله ثراه-.
اما (اجتماعياً).. فقد كانت «بحيرة الأربعين».. منتزهاً لأهالي جدة وسكانها وزوارها.. بالسير على شاطئها على الأقدام.. أو بالسير على التلال الشرقية المواجهة والموازية لها عندما كانت أعداد السيارات في «جدة» تعد على أصابع اليدين، وقبل أن يتم تشييد مبنى وزارة الخارجية الفاخر والباهر بـ(تصميمه) وبوابة واجهته الغربية الفريدة.. وعرضه وأدواره الثلاثة!! فإذا جاءت وقفة عيد الأضحى المبارك.. اكتظ شاطئ (بحيرة الأربعين) بمئات السيدات في صحبة أطفالهن لمشاهدة غروب شمس يوم الوقفة.. ذلك اليوم الفضيل، أما الرجال والأزواج الأشداء فإنهم عادة ما يكونون ساعتها على صعيد عرفات وحول (جبل الرحمة) لـ(المشاركة) في خدمة حجاج «البيت العتيق.. مع أبناء مكة» وشعابها.
وعندما تغير الزمان، وتكاثرت أعداد السيارات، وتبدلت مواقع (التنزه) لأهالي «جدة» وسكانها ومن فضّلوا العيش فيها من أبناء الوطن على اتساعه: إلى (غبة عشرة) وإلى أبحر (الجنوبية) والشمالية.. فـ(الكورنيش الشمالي) قبل وبعد تطويره على يد الأمير خالد الفيصل.. بقيت (بحيرة الأربعين): شاهد «الجمال» لـ(مدينة جدة).. منفردة، أو من خلال (مشهد) مكوناتها الثلاث مجتمعة: البحيرة ومبنى الخارجية و(نوافير) ميدان البيعة.. لا يتصور أحد جمال جدة، ووجهها الصلوح بدونه...!!
وبعد..
أن أغفل خبر: (المجتمع يشارك في تطوير بحيرتي «الأربعين» و»الشباب») الذي مررته (الأمانة) إلى صحافتنا.. الإشارة إلى اسم أمين (محافظة جدة) الأستاذ صالح التركي.. إن سهواً أو عمداً بناءً على طلبه.. فإن الذي يرجوه الجميع منه، ومن الأمانة هو أن يتحقق تطوير «بحيرة الأربعين» الذي طال انتظاره، وأن تتحول معه إلى «بحيرة» جاذبة لزوار «جدة التاريخية»، «ومعلماً» من معالمها.. وكما كانت عبر سنوات تاريخها الطويل!