رمضان جريدي العنزي
يا معالي وزير التعليم، في البدء أهنئكم على توليكم المنصب الجديد داعيًا الله في الوقت نفسه أن ييسر لكم المهمة، ويلهمكم الصواب والسداد، ويعينكم على ما توليتم من مسؤولية. ثم اعلم يا معالي الوزير أن الجهد والسهر والمثابرة ستكون عندكم عالية، وسيكون شغلكم مضاعفًا، وساعاتكم في العمل طويلة؛ لأن أمر التعليم عندنا يحتاج إلى غربلة، وإلى تغييرات كبيرة وكثيفة، قد تكون جذرية إن أردتم التغيير والتبديل للأفضل والأجمل والأحسن والأرقى؛ لذا أجدها فرصة سانحة كي أفتح أبواب الحوار معكم، طمأنة للتحول بكل ما هو موضوعي ومفيد إلى واقع العمل والتنفيذ، تدفعني ثقة وطيدة وعمق ارتباط أكيد بالروح الوطنية أيما تكون بطاقاتنا العلمية، ومؤهلاتنا التعليمة، ومشاربنا الثقافية، يحدونا بذلك حبنا للتغير والتقدم والابتكار والتجديد والبُعد عن الاستكانة والاسترخاء والنمطية، ولاسيما ونحن ورثة العلم والعلوم، وأصحاب التراث المعرفي الإنساني، وأرضنا أرض الرسالات، ومهد الحضارات، وينبوع المعرفة. إن للتعليم أهمية وضرورة تطوير وارتقاء.. والعلم عند دول العالم كافة يعد واحدة من بين الأولويات في خطط البناء والتقدم، بل إن العلم هو رأس المال والقدرة والتنمية؛ لذا سأتقدم لك يا معالي الوزير برسالتي هذه أن يتم على أيديكم إطلاق ورشة عمل كبرى، هدفها الانتقال بالتعليم، يدعى لها من شرائح المجتمع كافة بجنسيه، هدفها الرئيسي بناء وتطوير رؤية التعليم، وزيادة كفاءته، والارتقاء بمنسوبيه، الإداريون منهم والمعلمون. إن الرفع بعمليات العلم والتعلم جُل طموحنا ومبتغانا ومرادنا، والاهتمام بالمعلم بالذات وتفقده وجلب سبل الراحة والطمأنينة له يُعد سر الارتقاء بمهنة التعليم؛ وعليه فكلما تم الحفاظ على المعلم وتدريبه وتأهيله بشكل مستمر، وتيسير أموره، وتسهيل نقله للمكان والجهة التي يرغب، ولم شمله مع أسرته وذويه.. زاد الحماس والتفاني عنده في مجال التضحية والإخلاص والعطاء. إننا نريد منكم يا معالي الوزير عملقة المعلم في ذهنية المجتمع، وليس تقزيمه؛ فهناك مَن يتطاول عليه؛ يضربه، يسبه ويشتمه.. من بعض ضعاف النفوس، طلبه وأولياء أمر.. ولا يملك المعلم أن يفعل شيئًا البتة. وهذا ما نراه ونسمع عنه، وليس أمرًا خفيًّا أو عليه ستر أو حجاب. لقد ضاعت في بعض مدارسنا الهيبة للمعلم، وعليك إرجاعها يا معالي الوزير بالطريقة التي تراها، والقانون الذي سوف تسنه.. ولكي تنجح فيذه المهمة يا معالي الوزير عليك بتكوين شركاء دائمين وداعمين لك، هدفهم الارتقاء بالعلم والمعلم والحفاظ عليهم، من أصحاب الرؤية والثقافة والفكر والخبرة، يساندونك ويعينونك على الهدف، ويصححون لك المسار.
معالي الوزير، منذ عقود والنظام التعليمي عندنا يواجه عاصفة من النقد والاستياء، ترتفع أو تنخفض وتيرتها كلما تغيرت المواقف، أو تبدلت الأحوال.. فالقيادات لا تظل على حال؛ فهي تأتي ثم ترحل تاركة وراءها أثقالاً من المشكلات التي تعكس مأزق التعليم واختلالاته، والحاجة الملحة لإصلاحه.
معالي الوزير، إن أكثر الاختناقات في النظام التعليمي يقع في تدني المستوى التعليمي أمام ما ينفق عليه من أموال طائلة؛ فالمخرجات كمردود التعليم عندما تقاس بمستواها النوعي، فهي غير مناسبة لحاجة سوق العمل؛ فنتائج التعليم الضعيفة لا علاقة لها بما يتداوله الناس أو يشاع بينهم، وإنما هي نتائج يقيسها البحث العلمي، والدراسات المحلية والعالمية.
معالي الوزير، إن الاستمرار في عدم معالجة الخلل بشكل كلي وكامل، أو إدخال تعديلات مجزأة باسم التطوير، إنما يعني تفاقم أزمة التعليم؛ وبالتالي صعوبة إصلاحه. إن إعادة تأهيل التعليم، والبدء بالمراحل التعليمية الأولى بالتركيز على المهارات، والمعلم، والتعلم بالعمل والنشاط، وليس بالتلقين والترديد، يعد عملاً إيجابيًّا بل مطلوبًا بصورة أوسع وأشمل.
معالي الوزير، إنك تستطيع أن تقدِّم أفضل نموذج للتعليم عندنا؛ لأن دولتنا - أعزها الله - من أكثر الدول إنفاقًا على التعليم.
معالي الوزير، لا بد من التعامل الجاد مع مشكلات التعليم عندنا بشرائحه وأنواعه ومخرجاته كافة؛ فليس هناك حاجة إلى المزيد من الدراسات والبحث والتدقيق والتحري، وإنما الحاجة العاجلة هي معالجة الكثير من الملفات المزعجة التي تحتاج إلى إصلاح جريء عاجل وسريع بعيدًا عن البيروقراطية وتعقيدات التأني المتشعبة.
وفقك الله معالي الوزير، وسدد خطاك، وأنار لك الطريق.