عبده الأسمري
استل قلمه من غمد «الفلسفة» فرسم خريطة ذهنية قاومت تجاعيد التخلف وانتشل الجرأة «المخفية» من قبو «صمت» مظلم.. فوضع خطته «الوجدانية» لوأد «توهم» الريادة.. رافعًا «راية» النقاش معتليًا صهوة «اليقين» في مناظرات جريئة ارتدت جلباب «البراهين».
غرد خارج «الدرب» وتمرد على «مناظرات» الآخرين بثبات ذاتي يرى أن الخلاف منطلق للتعايش وان الاختلاف منطق للعيش.. فكانت له سطوته وحظوته بين التيارات فبرز مده الفكري وجزره النثري تشكيلاً فرض خطوطًا جلية «المعنى» عتية الارتداد عاتية التأثير.
إنه الأديب والمفكر السعودي إبراهيم البليهي أحد أبرز وجوه الفكر السعودي المعاصر وأمهر الباحثين في فضاءات التجديد والابتكار.
بوجه قصيمي كساه المشيب وعينان فياضتان بالإنصات وملامح يطغى عليها الاستقرار والسكون وكاريزما مهيبة مشفوعة بفصاحة «لسان» وحصافة «بيان» مع تقاسيم مألوفة خليطة بين الجد والود وصوت مسكون بكفاءة لغوية مذهلة ومحيا وقور بأناقة فريدة تعتمر شماغ مرسوم بشكل شخصي أكمله انفراد في هيئة «الهندام المستدام» مع تشكيل سلوكي يستند على ثقافة فكرية عميقة قضى البليهي ولا يزال من عمره «سنينًا» على منصات الأدب وأمسيات الفكر يرصف جسورًا ويبنى صروحًا جعلته «قامة» و»قيمة» في مسارح النقاش ودروب التفكير ومجاميع الحوار.
في بريدة ولد البليهي ونشأ وجال بين واحات الرس وفياض «القصيم» مخطوفًا إلى «قصص» النبلاء في محافظته «الشماسية» التي كان يتفيأ هو وأقرانه تحت ظلال منازلها العتيقة معلنًا شقاوته «نهارًا» موزعًا «نباغته» الباكرة بين باعة «السوق الشعبي» وجيران أهله ناهضًا بمطالبهم مستنهضًا بمدائحهم منصتًا لتعاليم أبوية كونت في قلبه «فصول» الصدق وجمعت في مخيلته «فضول» التفوق.. مكملاً يومه بقبلات «بر» كان يطبعها على جبين أمه ملتحفًا بدعوات التوفيق التي جعلته «قياديًا» حكوميًا لفترة من الزمن قبل أن يدخل معارك «الأطياف» حاملاً راية الشخوص للوقائع والنكوص للمحافل.
صافح التاريخ موليًا وجهه «قبلة» الإثبات المعرفي.. متكئًا على عصامية سديدة ألهمته «السلوان» نحو «تحرر موضوعي» وضعه كنتيجة «مؤكدة « لإنقاذ مناهج ظلت «كصيد» جائل تحول إلى «جائر» بسبب «الجمود» ضاعت فيه «الحضارة» وسلبت «عنوة» تحت تأثير تخدير «المتشددين».
سيرة نيرة قضاها البليهي بمنافحة ومكافحة حيث اقتحم مجال التوظيف بعد إتمامه للمرحلة المتوسطة ثم نال الثانوية منتسبًا وحصل على بكالوريوس الشريعة من جامعة الإمام محمد بن سعود بالانتساب كونه كان موظفًا في وكالة البلديات وحصل على درجة الامتياز في بحثه الجامعي فتولت كلية الشريعة بالرياض طبعه ونشره. وعمل في جريدة الدعوة مع وظيفته ودراسته وتعين بعد تخرجه مباشرة رئيسًا لبلدية حوطة بني تميم من 1392هـ ثم رئيسًا لبلدية خميس مشيط في 1393هـ ثم عين رئيسًا لبلدية مدينة حائل من 1396هـ ثم تم تعيينه مديرًا عامًا للشؤون البلدية بالشرقية عام 1404هـ فمديرًا عامًا للشؤون البلدية بالقصيم من 1405هـ حتى تقاعد وتم اختياره عضوًا بمجلس الشورى السعودي عام 1426هـ.
وألف عديدًا من الكتب القيمة والفريدة في الفكر والمعرفة والثقافة وغيرها وله عديد من المقالات الصحفية والمقابلات المتلفزة وعضويات في عدة لجان وهيئات في الداخل والخارج.
ترك البليهي مخططات البلديات ناكصًا إلى خطط البدايات في تكوين «منصته» الخاصة التي تنطلق منها «راجمات» التحضر لتدك «أسوار» التجمد شاخصًا إلى تغيير مفاهيم «الرقص» على الماضي متسلحًا برؤية ثاقبة نفذت إلى نسوغ الفلسفة لتكشف سوءات «الإثارة» الوهمية للأمجاد موجهًا البوصلة إلى «مضارب» الغرب ومسارب «الإغريق» لتكون وجهًا للتنافس في توصيف موضوعي لوأد مشتتات الرأي ومخالفات الشخصنة لينير ظلام «الأركان البشرية» بالاستنباط المقترن بالاستقراء والانتقاء لما يشفع من تجارب موثقة الأدلة وثيقة الدلائل.
طرق البليهي أبواب «التحليل» محاربًا «التلقين» مناصرًا للنقد محاصرًا لبؤر «التخلف» مبددًا لظلامية «التبعية» معددًا لمبررات الاقتباس ومسوغات القياس جسورًا في «مبلغ علمه» حصورًا في «دلائل حجته».
لم يلتفت «البليهي» للجدال العلني أو التجادل الخفي مع أطروحاته مستنيرًا ببصائر التفكير حاملاً «بشائر» التنوير متمسكًا بمسلمات الثوابت ناقمًا على «البيئات البشرية» التي جمدت «المشاريع الذهنية» ماضيًا إلى مشاريع «الاستثناء» في الإنتاج الإبداعي مسددًا رميه على «أقبية الصدود» موجهًا سهمه نحو ثكنات «الجهل».
إبراهيم البليهي مشروع بشري معرفي سيظل يقيس مسافات بعد نظره بين الثناء والاستثناء.