د. جاسر الحربش
وصلني من أحد الأصدقاء مقال قصير عن الارتباط المعكوس بين المؤشرات الوضعية التي تأخذ بها الإدارات والمؤسسات لتقييم الأداء وسير العمل وبين احتمالات التصرّف النفعي في الأرقام والتقارير. ورد في المقال ما حصل في الجيش الأمريكي أثناء حرب فيتنام عندما أرادت السلطات العسكرية الأمريكية معرفة ما إذا كانت تكسب الحرب أم تخسرها، وما هي المؤشرات فعيّنت للمهمة مستشارين من العسكريين والإحصائيين. اتفق هؤلاء على أن المؤشر الأهم هو أعداد القتلى من العدو، وعليه يجب أن تعتمد الترقيات ومقاييس جودة الأداء للفرق والقادة والجنود. الذي حصل هو إسراف الفرق الميدانية في القتل العشوائي مما أدى إلى ارتفاع كبير في أعداد القتلى المدنيين من الفيتناميين وإدخالهم ضمن أرقام قتلى العدو، وكان ذلك مما زاد في شعبية المقاومة ضد الأمريكيين.
المثال الآخر الذي ورد في المقال يخصنا نحن، عندما أقدمت قبل سنوات بعض الجامعات السعودية على شراء الانتساب الكاذب لبعض المشاهير الأجانب في الأبحاث العلمية مقابل الأموال واعتماد حضورهم لأيام قليلة في السنة كمشاركة في أبحاثها الجامعية دون تقديم مشاركات فعلية. هدف الجامعات السعودية التي مارست هذا التزوير كان رفع مكانة الجامعة في التصنيفات العالمية. كانت النتائج، إلى جانب الفضائح الأكاديمية أن الأبحاث الجامعية السعودية انحدرت إلى مستويات أدنى من السابق.
المقال القصير حفّزني على التفكير في المؤشرات التي تعتمدها وزارة التعليم السعودية منذ تاريخها الطويل لتقييم أداء المعلِّم أثناء وفي نهاية السنة الدراسية. نسبة النجاح في المدرسة ونسبة التفوّق الطلابي على مستوى المملكة وجداول انضباط الحضور والانصراف للمعلمين وعلاقة المعلم بطلابه وعدد الشكاوى المقدَّمة من الطلبة وأهاليهم إلى الإدارة ضد المعلِّم أو ضد المدرسة إلى إدارة التعليم، هذه ربما تكون أهم المؤشرات لتقييم أداء المعلِّم والإدارة والمدرسة عند وزارة التعليم.
النتائج التي خبرناها حتى الآن هي ما نتذمّر منه عن ضعف التعليم ومخرجاته، رغم ارتفاع نسب النجاح ونسب التفوّق وانخفاض التقدير المعنوي للمعلِّم عند التلاميذ والطلبة واحتياج الطالب الجامعي الجديد إلى سنة دراسية كاملة تُسمى التحضيرية لتقويته في اللّغة والرياضيات والعلوم قبل أن يدفع إلى قاعات المحاضرات الجامعية الحقيقية.
كانت إذاً لدينا مشكلة في قياس مؤشرات الجودة النوعية أو الأداء النوعي للمعلِّم، ويتضح ذلك فوراً في السنة التي يلتحق بها الطالب بإحدى الجامعات، وللأسف ليس قبل ذلك. نحاول منذ سنوات تقييم صلاحية الطالب للدراسة الجامعية أثناء المراحل الثانوية لتطبيق امتحان القدرات والتحصيل. ذلك تطبيق جيد ومنطقي لكنه مفصَّل على قياس المتوفر من التطبيقات التعليمية. يلفت النظر أنني كلما سألت أحد الطلبة بين معارفي يقول لي إن أفضل النتائج يحصل عليها زملاؤهم السوريون والمصريون والسودانيون. أعتقد أن السبب هو حصول هؤلاء من آبائهم وأمهاتهم في المنزل على شرح وتفكيك أفضل للمنهج الدراسي.
طيب ثم ماذا وما هو المطلوب؟ المطلوب إيجاد مؤشرات دقيقة وصادقة لأداء المعلِّم قبل أن يصل الطالب للمرحلة الجامعية وتوفير السنة التحضيرية على الطالب وأهله والدولة.