سلمان بن محمد العُمري
من المعالم القديمة في مدينة الرياض سوق «الجفرة» الذي يقع في قلب البلد وسط السوق وتحديداً شمال «المقيبرة» هذا السوق كان متميزاً عما حوله من أصحاب السوق ومرتاديه، فالقائمون على السوق هم من أصحاب الملايين والكاترون للذهب والفضة والريالات، والمرتادون من البؤساء التعساء الذين أجبرتهم الظروف ونكبات الدهر أن يلجأوا لهؤلاء الذين يسلخونهم قبل أن ينحروهم، وهم وغيرهم ينطبق عليهم قول الشاعر:
المستجير بعمرو عند كربته
كالمستجير من الرمضاء بالنار
انتهى سوق الجفرة بهدم السوق منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، ولكن آثاره الاجتماعية والاقتصادية باقية، وإن اختفت معالم سوق الجفرة المكانية فقد تولد عن هذا السوق فيما بعد «جفراً» كثيرة في المنازل والأسواق وعبر شقق واستراحات ومكاتب لهذا الغرض، ولم يكتف هؤلاء بمزاولتهم نشاطهم غير الرسمي وغير النظامي بل تعدى ذلك إلى الإعلانات في كل الأماكن العامة وعلى مكائن الصرافات، وأبواب المدارس، والمساجد، ولا ينافسها في الإعلانات سوى الإعلانات الخاصة بالمدرسين الخصوصيين.
أصحاب سوق الجفرة في الماضي والحاضر يقرضون المحتاجين قروضاً غير حسنة وليست فيها شفقة ولا رحمة وفيها من الجشع والطمع والاستغلال والنسب العالية الذي لا يمكن تصديقه وربما وصلت النسب والفوائد على القروض إلى مائة بالمائة، وهؤلاء يمكن أن يمولوا المدين المحتاج بمئات الملايين متى ما توافر الرهن المطلوب وخاصة العقار الثمين مع الاحتراز من قبلهم بكافة الضمانات التي تحفظ لا أقول حقوقهم بل مطامعهم واستغلالهم كتوقيع من يتم اقتراضه على شيكات مستحقة الدفع مع وجود الضمانات والرهن والكفلاء.
ولن أدخل في موضوع الحلال والحرام فقد بين العلماء قديماً وحديثاً هذه المسألة وخاصة التحايل ببيع الآجل لسلع غير مقبوضة.
لقد كانت أكياس الأرز والطحين والطاقات في السابق والمرصوصة أمام سوق الجفرة لعشرات السنين هي وسيلة التحايل في البيع والقبض، واليوم لجأ هؤلاء لحيل أخرى وأضافوا لها السيارات وبطاقات الجوالات وغيرها مما «يسلك» أمورهم ويحقق مقاصدهم.
استمرار هؤلاء وما يحدثونه من مشاكل اجتماعية واقتصادية بل وأحياناً أمنية تستوجب التدخل من عدد من الجهات المعنية، مؤسسة النقد، التجارة، الداخلية، أمن الدولة، وتكوين لجنة لدراسة ازدياد ممارسي «سوق الجفرة» في عصر التقنية، وتوريط الناس والاحتيال عليهم باسم المساعدة.
أعرف شخصاً تورط مع هؤلاء بالكفالة وليست بالاستدانة المباشرة وكان هدفه ومن كفله أن يتجنبوا المعاملات الربوية في البنوك، ولكنهم هربوا من نار إلى سعير بغطاء واحتيال من هؤلاء الذين يدلسون على الناس، ويستغلون حاجتهم وضعفهم، وكم تسبب هؤلاء في سجن أناس وتشتيت شملهم مع أسرهم وأرغامهم على بيع منازلهم وسياراتهم للوفاء بسداد ما عليهم، وشر هؤلاء المحتالين ظاهر منهم يمارسون جشعهم وعملهم غير النظامي واللا أخلاقي بأسماء متعددة باسم التقسيط، وتارة باسم التسهيلات وغيرها من المسميات، وينشرون أسماءهم في الأماكن العامة وجوالاتهم بأسماء وهمية أو بالكنى «أبو....» وطريقتهم وأعمالهم تستوجب التدخل العاجل حتى نسد أبواب الاحتيال، ونحمي المحتاجين من شرور المحتالين.