«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
من الموضوعات الحساسة في السعودية مثلها مثل أي دولة نفطية : كم هو عمر النفط ؟ ومتى يتوقع نضوبه ؟ وماذا بعد النضوب ؟ وكل حين وآخر تفاجئنا تقارير محلية أو أجنبية بفترة نضوب مختلفة.. بل إن بعضها يبالغ في النضوب ويجعله وشيكاً، مثلما حدث في 2004 عندما أعلنت وثيقة أمريكية أن النضوب سيحدث بعد 15 عاما، أي يفترض هذا العام.. وها نحن نعيش بداية عام 2019، بالإعلان عن ارتفاع الاحتياطيات المؤكدة للمملكة من النفط إلى أرقام جديدة تناهز الـ333 مليار برميل، على الرغم من أن هذا الرقم المثبت منذ خمس سنوات تقريبا كان يناهز 265 مليار برميل فقط.
وقد تعددت أرقام نضوب نفط المملكة، فهناك من قال 20 عاما وقال آخرون 40 عاما وقال غيرهم 70 عاما .. وصدرت تقارير محلية تؤكد وصوله إلى 170 عاما .. فكم هو النضوب الحقيقي لنفط المملكة ؟ ولماذا وكيف يرتفع الرقم من فترة إلى أخرى ؟
كيف يتم حساب معدل النضوب ؟
النضوب يعني انتهاء كميات النفط التي في باطن الأراضي السعودية، وهذا يحدث بناء على أن هذه الكميات يفترض أن تكون ثابتة ويتم السحب منها يوميا وبالتالي فهي تتناقص سنويا بمعدلات الإنتاج.. وبالتالي فإن معدل النضوب يتوقف على عنصرين : معدلات الإنتاج الحالية ومستوى التكنولوجيا السائدة التي يتم بها استكشاف الاحتياطيات الجديدة .. وما نتكلم عنه هنا هو الاحتياطيات المؤكدة فقط .. أما الاحتياطيات غير المؤكدة أو غير المثبتة فهي غير متضمنة في هذه الحسابات.
فإذا كان حجم الاحتياطيات المؤكدة حتى العام الماضي هو 265 مليار برميل وكان حجم الإنتاج اليومي حوالي 11 مليون برميل مثلا، فإن معدل النضوب سيتم حسابه من خلال ضرب 11 مليون برميل في 365 يوما، وتعطينا أن المملكة ستنتج حوالي 4015 مليون برميل سنويا، وده يعني أن احتياطياتها المؤكدة يمكن أن تعطيها حوالي 66 عاما على أقصى تقدير وبعدها ينضب نفطها وينتهي زمنه.
معدل بقاء النفط الآن 93 عاما
في الماضي البعيد ربما في الثمانينات والتسعينات كانت كل حسابات النضوب لنفط السعودية تدور في فلك 40 أو 50 عاما .. وكنا نتوقع أن ينضب نفط المملكة تماما في 2020 تقريبا، بناء على تقديرات تم حسابها في 1980 تقريبا .. ويحدث ذلك مع الارتفاع المستمر والمتواصل في معدلات الإنتاج اليومية من نفط السعودية، فمعدل الإنتاج اليومي لم يكن يزيد على 8 ملايين برميل لفترة طويلة في الماضي، ثم ارتفع إلى 9 ملايين برميل، وبعدها بدأ يحوم حول 10 ملايين برميل، حتى وصل في بعض الشهور إلى 11 مليون برميل .. وتؤكد التقارير الرسمية أن معدلات الإنتاج اليومية مهيأة للوصول إلى 12.5 مليون برميل يوميا.
فإذا كانت تقديرات النضوب 50 عاما في ظل إنتاج يومي 8 ملايين برميل، فإن معدل النضوب يفترض أن يقل بمعدل الخمس عندما يزداد الإنتاج اليومي إلى متوسط 10 ملايين برميل يوميا منذ بضع سنوات الآن .. يعني الـ 50 سنة التي كانت مخططة لنضوب النفط كان يجب أن تصل إلى 40 عاما .. ولكن ما يحدث الآن شيء غريب ومستغرب!!!
لأن حجم احتياطيات النفط المؤكدة التي أعلن عنها تقرير عملاق النفط السعودي «أرامكو» ارتفعت إلى 333 مليار برميل، وبالتالي في ظل معدل إنتاج متوسط 9.9 مليون برميل يوميا حاليا، فإن معدل النضوب الجديد يصل إلى حوالي 93 عاما.
زيادة الإنتاج وزيادة الاحتياطيات
ما يحدث الآن في المملكة هو زيادة آنية في معدلات الإنتاج .. كان يتوقع معها ارتفاع معدلات النضوب أو بمعنى آخر تراجع معدلات بقاء النفط وبالتالي كنا نتوقع انتهاء عصر النفط من سنوات فائتة.. ولكن ما يحدث الآن هو توازن بين زيادة الإنتاج وزيادة الاحتياطيات في نفس الوقت ومعاً.. ويبدو للمراقب أن السعودية لا تزيد إنتاجها هباء ولكنها تعلم بزيادة احتياطياتها بدليل أن النضوب لم يقل مطلقا عن 50 عاما في أي سنة من السنوات.. بل المراقب لأرقام الإنتاج والاحتياطيات سيدرك أن دوما الاحتياطيات المؤكدة فوق مستوى الـ50 عاما .. بل وسيدرك أن الاحتياطيات تزيد من سنة لأخرى.
الأسعار والتكنولوجيا .. تحفز ارتفاع الاحتياطيات
احتياطيات المملكة تزداد من سنة لأخرى على الرغم من السحب منها ويرجع الفضل هنا إلى عنصرين : مستويات أسعار النفط السائدة وأيضا مستويات التكنولوجيا السائدة .. فالأسعار العالمية للنفط كلما ارتفعت لأعلى مكّنت الشركات الاستكشافية من زيادة إنفاقها وبالتالي تمكينها من الوصول إلى احتياطيات بعيدة وغير مؤكدة وربما يكون من الصعب الوصول إليها .. بل توجد علاقة طردية بين مستويات الأسعار العالمية وبين مستوى التكنولوجيات المستخدمة .. فكلما ارتفع السعر العالمي للنفط أتاح للمملكة استخدام تكنولوجيات أعلى تكلفة للوصول إلى الاحتياطيات الصعب استكشافها ومن ثم الوصول إلى احتياطيات جديدة غير مؤكدة.
وتؤكد وحدة أبحاث «الجزيرة» على أنه دوما سترتفع الأسعار العالمية للنفط مع كل اقتراب من نضوب احتياطيات الدول الرئيسية، على الرغم من كل ما يقال عن النفوط الجديدة، وهذا سيسمح باستخدام تكنولوجيات أكثر حداثة وبالتالي سيسمح بالوصول إلى احتياطيات جديدة غير مثبتة، وبالتالي فأرقام النضوب المعلنة أو المحسوبة هي أرقام ترتبط بزمانها وبزمن تكنولوجياتها التي تعتبر تقليدية ومتقادمة بعد سنوات قادمة.
كما تشير وحدة أبحاث الجزيرة إلى أنه إذا كان رقم النضوب المؤكد هو 93 عاما، فإن هذا الرقم يرتفع إلى أكثر من 167 عاما عندما يتطرق الحديث عن الاحتياطيات غير المثبتة والتي تقدرها تقارير بنحو 550 مليار برميل وتصل في بعض التقديرات إلى 600 مليار برميل.. وكل احتياطيات غير مثبتة غالبا تصبح مؤكدة عندما ترتفع أسعار النفط عن مستويات معينة أعلى وبالتالي تتيح استخدام تكنولوجيات أعلى ابتكارا.