د. خيرية السقاف
هؤلاء في الشتات
يحملون فلذاتهم في الصقيع إلى المدافن البيضاء..
وأولئك في البيات
يحملون فلذاتهم هم إلى الأسرة الدافئة المريحة..
هؤلاء يلبسون صغارهم الفرو، والمخمل، والقبعات السميكة..
وأولئك بالكاد يطوِّقون أجساد صغارهم العارية بسواعدهم..
الآمنون تلمُّهم جدران بيوتهم بأكسيتهم الملونة..
والمشردون يلتحمون بالثلج بأسمالهم البالية..
المطمئنون في ديارهم يتقون الزمهرير بالنّعَم..
المهجّرون من ديارهم يكابدون افتراسه في العراء بالفاقة..
الولاَّدة في الشتاء تستقبل أعداد النفوس في المصحات الآمنة..
في صقيع الشتات المهجَّرات يودعن أجنَّتهن في لحظات المخاض..
الشتاء القارس هذا الذي يفترس بقطنه الأبيض، وجليده سطوح الأرض امتحان كبير
لخدعة قبُّطانات السُّفن للراكبين في الخلف..
للعابرين في دعة..
للذين تفرحهم كلمة وعد، ويقتلهم وعد غدر..
ترى لو أن الآمنين في الدفء
الرافعين أصواتهم بالوعود
الراسين فوق مقاعدهم بثقة
المطمئنين على صغارهم باعتداد
الطاردين النفوس إلى الملاجئ
يمشون دقائق على الجليد حفاة بأسمال بالية، برؤوس عارية، بأحشاء جائعة، بعروق عطِشة،
وفي الزمهرير ينامون لحظات في مأوى من صفيح، أومن نسيج ذي شقوق تغمره الثلوج يخلو من الدفء، والزاد، والماء، والغطاء؟!..
ما الذي يفعلون حين تفيض أرواح صغارهم تجمدا،
كيف يشعرون حين يحملونهم إلى المدفن لا إلى المصحة ليتطببوا،
ولا إلى المدرسة ليتعلموا، ولا إلى فناء ملاهٍ مع أندادهم ليفرحوا،
ولا إلى حفلات نجاح ليحلموا؟!..
ألا يفترسهم صقيع آخر لا نجاة منه، ولا نهاية له ويهزمهم؟!..