عبدالعزيز السماري
يتميز الفارق في العمل البشري عن غيره من المخلوقات الأخرى بأن نشاطه ليس سلوكًا فقط، ولكن يتكون أساسًا من توجيه نحو الأهداف وفقًا لبعض المعايير أو المعايير المنهجية، أو من خلال التخطيط المنهجي. وهذا التصور قد يختزل حضارة الإنسان، وفلسفة الإنجاز، والفرق بين حضارة أخرى.
ويمكن للبشر وحدهم أن يصلوا لأهدافهم عن طريق التخطيط المنهجي، ومن خلال التمرين والتدريب، أو التدريب على الجودة المتطورة باستمرار: يمكن تحقيق الأهداف؛ وبالتالي يمكن أن يكون الإنجاز في حقيقة الأمر تعبيرًا عن الحرية الشخصية للإرادة والعمل؛ ومن ثم فإن إنجاز الدافع الشخصي الأصيل هو تعبير جيد عن الشخصية النشطة والإبداعية، وتختلف عادة من شخصية إلى أخرى..
إن فلسفة الإنجاز ومقارنة الإنجازات، والمنافسة، والمساواة في الفرص، تتجسد بشكل واضح في المسابقات الرياضية أكثر من أي مجال آخر للحياة. والرياضة هي الوسيلة الأنسب للتعبير والمقارنة بين الإنجازات ذات المستوى الأعلى، وقد يفسر ذلك جزءًا من سِحرها؟
ما يميز الرياضة تلك الانطلاقة في أجواء خالصة من الحرية في الهواء الطلق؛ وهو ما يجعل من تحقيق الإنجاز مهارات بشرية خالصة، واستعدادًا وإصرارًا؛ وهو ما يعني أن تحقيق الإنجاز في المجالات غير الرياضية يتطلب أجواء من الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص. وفي حالة انتشار المحسوبيات في التأثير على الإنجاز يختفي النجاح، وتفشل الجهود..
يُعد الإنجاز ثمرة غاية الوضوح؛ لذا لا يمكن أن يقوم الإنجاز على ثقافة التضليل والفشل، كما لا يستطيع أن يوهم الناس أنه حقق الإنجاز؛ فالبشر في غاية الذكاء، وتجد الإجابة في وجوهم في حالة النجاح أو الفشل، لكن أسوأ أنواع الفشل أن يعتقد أيٌّ كان أنه أذكى من الآخرين، وأنه يستطيع تمرير الفشل على أنه نجاح منقطع النظير..
على المستوى الشخصي يتطلب الإنجاز وجودًا مستمرًّا للمثابرة والإصرار على النجاح؛ إذ لا يوجد شيء أقوى من المثابرة للوصول إلى الأهداف؛ وهو ما يعني بكلمات أخرى العمل الدؤوب والمستمر، وعدم اليأس، مع الأخذ في الاعتبار المسؤولية الكاملة عن حياتك وقراراتك؛ فلا تلوم الآخرين، وإن فعلت ستقع في حياة الإحباط وخيبة الأمل، وإذا كنت لا تحب ما تفعله فغيِّره، وابدأ رحلة جديدة، أهدافها واضحة..
بدون تحديد أهداف، وتحديد مسار العمل والأداء في حياة الإنسان، فإنها تبقى أحلامًا مجردة، لكن عندما تكون محددة، أو مكتوبة بالتفصيل، ومعرفة التاريخ الذي تريد تحقيقه فيه، تصبح أكثر واقعية؛ فقد أكدت الدراسات أن الأشخاص الذين يُنشئون أهدافًا محددة ومكتوبة يكونون أكثر احتمالاً لتحقيقها؛ وهو ما يعني في مجال الأعمال الكبرى وضع خطة عمل واضحة، وذات أهداف ومسؤوليات محددة؛ ولذلك يجب أن يكون من مكونات التعليم العالي أن يحض الطلاب على التفكير بصوت مسموع أو مكتوب حول مستقبلهم وخططهم وأهدافهم..
في نهاية الأمر لا بد أيضًا من إدراك حقيقة اختلاف الناس؛ فكيف يمكن لشخص واحد أن يفعل كل ما يلزم لتحقيق أهدافه، بينما يستسلم شخص آخر عند أول إشارة للمقاومة؟ ولماذا هناك شخص واحد مستعد للتضحية بكل شيء تقريبًا من أجل أن يعيش حياة أحلامه، بينما يخشى آخرون من اتخاذ الخطوة التالية في خوف من المعاناة من خلال فشل كارثي أو إحراج؟.. ولعل أكثرهم ضررًا ذلك الذي يحاول عبر السنوات أن يبيع الوهم على أنه إنجاز، بينما هو في حقيقة الأمر يواري فشله عبر خطط التضليل الممنهج.