مشكلتي أني تزوجت من شخص، وإن كانت لا توجد قرابة ولا معرفة سابقة بيننا إلا أنني اكتشفت بعد أشهر قليلة من الزواج بأن شخصيته وطريقة تعامله معي تشبه إلى حد كبير جداً طريقة تعامل والدي مع والدتي، فهو عصبي جداً وسريع الغضب ويتجاهل مشاعري ودائماً يهينني ويقلل من شأني خاصة أمام أهله.
في بداية الوضع تحملت لأني كنت أظن هذا حال الأزواج في الغالب، لكني الآن أحس أني ما أقدر أكمل معه لأني لا أريد أن أكرر قصة والدتي الضحية مرة أخرى، فبماذا تشيرون علي؟
أولاً: أشكرك؛ لوعيك ونضجك فأنت حين سردتي استشارتك ربطتي بين حياتك الحالية وحياتك بصحبة والديك والتي بناءاً عليها تتشكل كافة مراحل حياتك، وهذا التسلسل ليس منطقياً وحسب بل هو بنائي كذلك، وهذا، يؤكد على أنك تتمتعين بانتباه دقيق، وربط سليم.
ثانياً: في قضايا الزواج تحديداً، لا يمكن أن أشير على أحد الأطراف بالانفصال وحين سمحتُ لنفسي بقبول الاستشارة لا يعني أن أتخذ قراراً نيابة عن أصحابها، فهناك وقائع كقطع البازل تبقى غائبة عنا، فالصورة ولاشك ليست كاملة لدينا.
ثالثاً: نحن نحيا ونتفاعل في داخل كون محكوم بأمر الله وتدبيره وفقاً لقوانين كونية ثابتة ولا تتغير، ومن تلك القوانين قانون (الانعكاس) بمعنى أن ما تعاينه في الخارج من تجارب إنما هو انعكاس معبر عما تعاين وتعاني في أعماقك؛ فأنت حينما عشت سنوات طفولتك وشبابك المبكر في ظل أب، كان يمارس دوره كزوج بقسوة وغلظة ولا يهتم لمشاعر زوجته (والدتك)...، فقد ترسب في عقلك الباطن صورة وثيقة ومحتومة للأزواج بأنهم كلهم كذلك، تماما على شاكلة ووصف والدك.
وحين أصبحتي في سن الزواج لم يتقدم لك كزوج إلا من رسمتي صورته باعتبارها الصورة الوحيدة التي عاينتيها في حياتك والتي تنطبق على كل الأزواج في ظنك وقناعتك؛ بمعنى أن «ظنك» و»قناعاتك» هي من تدخلت لترسم لك أسلوب وكيفية تعامل الزوج القادم معك!.
أضيفي لذلك أنك وإن كنت تحبين أباك كأب حنون إلا أنك تبغضين بشدة دوره كزوج قاسٍ وعنيف، وهذا في حقيقة الأمر هو ما ضاعف غضبتك ونفورك من زوجك؛ فأنت تنفرين من غضب وعصبية أبيك مع أمك، فضلاً عن غضب الزوج. ولذا فأنت تشعرين بأن طاقتك ستنفذ سريعاً في احتمال هذا الزوج لأن قدرتك على الاحتمال نفذت مبكراً أي من قبل زواجك.
رابعاً: طالما أن تاريخ المشكلة في الواقع بدأ مبكراً أي من تاريخ معاناتك من دور والدك كزوج، فأنت قد أمسكتي بطرف خيط الحل، والحل ليس في أن تتخطي ذلك بالتغاضي عنه وتجاهله وإنما بمحاولة تفهم موقف والدك لتهيئة نفسك لمسامحته من أعماقك وإن كنتِ لستِ ممن تأذى بشكل مباشر إلا أن أذى والدتك جزء من أذيتك وتأثير ذلك امتد لسائر حياتك. والفكاك من الفكرة العميقة الممتدة بجذورها في أعماقك عن صورة الزوج القاسي لا تتم إلا بتفهم موقف والدك ودوافعه ومسامحته كذلك.
خامساً: لم يفت الأوان بعد وأنت لازلت في الشهور الأولى من عمر الزواج، حاولي صادقة وبصورة جادة تغيير القناعة السلبية لديك عن صورة الأزواج بقناعة إيجابية وجميلة، تأملي في قصص الحب بين الأزواج وما أكثرها حولنا استمتعي بسماعها وقراءتها، باركي لهم، وادعي الله أن تتبدل حياتك إلى الصورة الأجمل فهو على كل شيء قدير.
وأخيراً: بعد قيامك بالخطوات السابقة، فأمر البقاء أو الرحيل، متروك بين يديك، والخيار لك، وهي حياتك وحق لك وحدك، فاختاري ما يليق بكرامتك واحترامك لنفسك مدى الحياة.
** **
- للتواصل بقصد الاستشارة Hoda.mastour@gmail.com