د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
تأسست جامعة الدول العربية في مارس عام 1945م كمنظمة جامعة للدول العربية في آسيا وشمال إفريقيا، أسستها بدايةً ست دول هي: مملكة مصر، المملكة العربية السعودية، جمهورية لبنان، مملكة شرق الأردن، والجمهورية السورية. واليوم تضم معظم الدول العربية بعدد سكان يتجاوز 340 مليون نسمة، أي أكثر من عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية. وتضم موارد اقتصادية متنوعة كفيلة بجعلها في مقدمة دول العالم. كما لها منظمات أخرى تابعة من أهمها: «المنظمة العربية للعلوم والثقافة»، و»مجلس الوحدة الاقتصادية العربية». ومن أهداف الجامعة عند تأسيسها: «التعزيز والتنسيق في البرامج السياسية والبرامج الثقافية والاقتصادية والاجتماعية لأعضائها، التوسط في حل النزاعات التي تنشأ بين دولها، أو النزاعات بين دولها وأطرافٍ ثالثة»، ولها ميثاق وقعت عليه جميع الدول.
جامعة الدول العربية مرآة للواقع السياسي والاقتصادي العربي، وحالها المؤسف اليوم لا يعكس وضعها فقط بل ووضع العلاقات بين الدول العربية ككل. تحولت الجامعة تدريجيًا من جهازٍ للتنسيق السياسي والاقتصادي العربي، وجهازٍ لحل الخلافات العربية إلى منصة للخصام وتبادل الاتهامات، وأحياناً الشتائم، أي باختصار إلى جهاز لتعميق الخلافات لا حلها. ورغم أنها بين الفينة والأخرى تصدر بيان هنا وبيان هناك، إلا أنها بيانات لا يلتزم بها أي بلد عربي، بل ولا يكترث بها أحد. ثقافيًا واقتصاديًا لا إنجازات تذكر.
الدول العربية اليوم كل بلد في وادٍ يصارع معضلاته المتجذرة، وتخسر كثيرًا بسبب تدخل وتفرد القوى الخارجية بها. تجذرت الخلافات البين-عربية وتوسعت ولم تتقلص، ولم تنجح الجامعة في التوسط بنجاح في أي نزاع. بل لم يعد يكترث بها أحد، فالدول العربية متباينة في أنظمتها السياسية التي تتحكم في شعوبها، والسفر لبعض الدول غير العربية أصبح أسهل من السفر لدولة عربية شقيقة. ولا يوجد جهد يذكر لها في أي تنسيقٍ اقتصادي. وتقلص وزن العرب السياسي في العالم بشكل مخيف رغم أنهم، مجتمعين طبعًا، رابع تكتل سكاني عالمي، وإمكاناتهم الاقتصادية تتجاوز إمكانات كثير من الدول العظمى.
أثبتت الخلافات العربية أنها أكبر من أي تنظيم أو منظمة، فالعربي مهما لبس من لبوس المدنية الحديثة لا زالت تسيطر عليه العقلية القبلية القديمة، عقلية عنتر وأبو زيد الهلالي. والدول العربية - للأسف - تنظر لخلافاتها البينية بمرايا محدبة، وتنظر لما يحدث لها من قوى خارجية بمرايا مقعرة. اتضح - للأسف - أن العقلية السياسية العربية لا تقبل الوسطية ولا الحلول التوفيقية، فالكل أن له «الصدر على بقية إخوانه العرب أو القبر». فالخيل والليل والبيداء تعرفها فقط في الحروب فيما بينها وليس على عدوانها. فتمزقت كثير من الدول العربية ودمرت إنجازاتها الاقتصادية الضئيلة في غمضة عين في حروب بين الأنظمة وشعوبها للأسف. وثبت أن جامعة الدول العربية كيان لا يهش ولا ينش.
ورغم ذلك بقي الكيان البيروقراطي لجامعة الدول العربية صامدًا شامخًا، وبقيت ميزانية هذه الجامعة كما هي وربما زادت. وما زالت الموارد تهدر على جهاز لا طائل منه ولا أمل. ولذا فأنا هنا أطرح اقتراحًا بتغيير ميثاق جامعة الدول العربية وحذف كافة البنود السياسية والاقتصادية منها، فلا أمل يرجى منها في هذا المجال، بل إن لم يتبق في كثير من أعضاء هذه الجامعة ما يمكن تسميته اقتصاد، وأصبحت كثير من القرارات السياسية لبعض الدول العربية تقرر خارجها. لذا يجدر بنا تغيير ميثاق الجامعة ليكون ميثاقًا إنسانيًا فقط يحولها «لجامعة غوث اللاجئين العربية»، فهذا يتناسب مع وضع بعض الشعوب العربية المشردة اليوم بالكامل بسبب الحروب العربية-العربية التي فشلت المنظمة أن تحتويها.
ملايين العرب اليوم لاجئون في مخيمات أكبر وأسوأ بكثير من مخيمات الفلسطينيين بعد النكسة. وكثير منهم يموت من الجوع والبرد داخل دول عربية ترفض حتى إطعامهم أو إيوائهم لخلافات مذهبية أو سياسية لا دخل لهم بها، فالفرد العربي تقرر مصيره قياداته، ولا ذنب له ولا جريرة في أي خلاف أو نزاع. وبما أن الجامعة - حفظها الله - لا وزن اقتصادي ولا سياسي لها اليوم، فليتها تتحول للعمل الإنساني النبيل الذي يهدف لإنقاذ الإنسان العربي البريء من الهلاك المحتوم من الجوع والبرد حتى لا يترك هذا الأمر لمنظمات دولية مشبوهة تسيرها الدول الكبرى الخارجية بنظرية المؤامرة. الجامعة اليوم في حالة وفاة سياسي واقتصادي وربما تنقذها حقنة وريد من العمل الإنساني.