أمل بنت فهد
حين يكون أحدهم غارقاً في فوضى التعثّر، على أثر علاقة مخيبة، أو قرار أحمق اتخذه ذات عناد كان يظنه يقيناً، أو بسبب طعنة كنت أنت تحذِّره منها، لكنه لم يرها مصوَّبة لظهره، فلا تكن أنت أحد الأصابع التي تشير إليه بالفشل، أو الغباء، لا تكن أنت أحد الأسواط التي تجلد ضميره، وكبرياءه، لا تكن أنت والعثرة سواء.
لأن المتعثِّر إنسان كان يظن أنه على حق، كان يعتقد جازماً أنه يفعل الصح، كان مندفعاً بمشاعر صادقة، لا تظن أن أحداً يريد أن يعيش موقف التعثّر المؤلم، بين شعور بالعار، وفوضى عارمة تنتظر الترتيب، لأن الأمور انفجرت بين يديه وهو آمن مطمئن، باختصار لم يستطع أن يرى ما كنت تراه أنت، لم يشعر بالتحذير الذي شعرت به، لم ينتبه للهوّة التي تنتظره في الطريق، لذا سقط وتهاوى، وتبعثرت كرامته، وآخر ما يحتاجه منك أن تلومه، أو تذكِّره بأنك سبق أن حذَّرته، ولو كان بدواعي الحب والخوف عليه وكل هراء المصلحة والاحتواء، يكفيه ما يعانيه، لأنه يعلم أنه أخفق، ويتذكَّر كل نصيحة قلتها، وكل صيحة تحذير أعلنتها، لكن ليس هذا وقتها، بل ليس لها وقت بعد أن حصل ما حصل، وتكسّر ما تكسّر.
إن كنت تحبه، فتعلَّم أبجديات الحب حين يكون الآخر غارقاً في جراحه، وإن كانت بفعل يده، كل ما عليك أن تمد له يداً تحترم كل هذا الضعف، وتستر كل ذاك الخزي، وتغض بصرك عن دموعه، يكفي أن تخبره أنك معه، وأن الأمور ستكون بخير، وأنكم بصدد البحث عن مخرج، ولا يهم ما حدث، المهم ماذا سنفعل الآن.
من المهم أن تذكِّره بأن الخطأ وارد، وهو حق الجميع، لأن الإنسان لم يصل إلى ما وصل إليه بالنجاح والقوة، إنما كانت أعظم الدروس، والاكتشافات، مولودة من رحم التجارب التي لم تنجح، ولم تؤد إلى طريق.
وبالمناسبة أتعرف ماذا تكسب حين تجرب احتواء المتعثِّر، أنت فعلياً تسمح للرحمة أن تغمرك، والرحمة أعظم شعور يمكنه أن ينقذ الإنسان من غروره، حين تنساب منك قطرات من الرأفة على أحدهم، فإنه يعقبها أنهار من الرحمات، ويصادفك شعور الخلاص، والانعتاق من أثقال كانت متشبثة بك وتسحبك للقاع، تلك ميزة الرحمة، إنها فضيلة الإنسان التي تعيده للطبيعة، بل تعيده إنساناً.
لكنه مع الوقت، ينسى كيف يستخدمها، مثلما نسي كثيراً من مهارات الإنسانية والطبيعة التي كان يتمتع بها قبل أن يكبر.