عانى المجتمع السعودي من إدخال التطرف إلى بعض أفراده سواءً بتدخل أيدٍ خارجية أو داخلية, بغية تفكيك ترابط أفراد مجتمعه, وزعزعة أمن واستقرار الدولة لإضعافها وإسقاطها, مما نتج عن ذلك إزهاق الأرواح بغير وجه حق, وتعطيل لتنمية الدولة في شتى المجالات.
ويُعد التطرف والغلو مفهومين يحملان المعنى نفسه, فالتطرف هو مصطلح معاصر عند جميع دول العالم, ويُقصد بالتطرف: «منتهى الغلو في العقيدة أو المذهب أو الفكر أو غيره», أما الغلو فهو مصطلح شرعي عند جميع الدول الإسلامية, ويُقصد بالغلو: «مجاوزة الحد الشرعي أو العرفي المعتبر بإفراط أو تفريط».
لذا..
فمن الخطأ ربط التطرف بالدين فقط, لأن هناك تطرفًا مرتبطًا بالفِكر والمذهب واللون.. إلخ.
ومن الخطأ أيضاً ربط التطرف بالدين الإسلامي على وجه التحديد, لوجود فِرق متطرفة تنتمي لليهود والمسيح والبوذية.. إلخ.
وعندما نتأمل في حكم التطرف (الغلو) في القرآن الكريم والسنة النبوية, نجد بأنَّ الله سبحانه وتعالى قد حذر من الغلو كما في قوله تبارك وتعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ}, وقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم من الغلو أيضاً كما في حديث: (إياكم والغلو في الدين, فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين).
كما أنَّ المتطرفين يصنفون إلى ثلاثِ فئاتٍ وهي:
الفئة الأولى/ متطرف مُنفِّذ (أداة)
الفئة الثانية/ متطرف مُتعاطف (مُتلقٍ للأفكار)
الفئة الثالثة/ متطرف مُخطط (مُنظِّر)
وتُعد أخطر فئة بين الثلاث فئات السابقة هي فئة (المُخطط), وأضعف فئة بين الثلاث فئات هي فئة (المُنفِّذ).
لماذا؟
لأن المتطرف (المُخطط) هو من يخطط للأعمال الإجرامية, ويُجنِّد لها بعض الشباب, ويكون مختبئاً بين أفراد المجتمع كأي فرد آخر, بظاهرٍ يملؤه حب الوطن والطاعة لولاة الأمر وحب الخير للغير, وباطنه مليء بكرهه للوطن وحقده على ولاة الأمر واستهانته بالتضحية بالشباب في سبيل تحقيق أهدافه الدنيئة.
أما المتطرف (المُنفِّذ) فغالباً ما يكون من فئة الشباب الذين مروا في حياتهم بمشكلاتٍ معينة أدت إلى إضعافهم وإفقادهم للثقة بأنفسهم, ليجدوا أنفسهم أمام أصحاب الفِكِّر الضال من المتطرفين الذين أوهموهم بأنهم محبين لهم وبأنَّ أفضل وسيلة لتكفير خطايا الإنسان والتقرب إلى الله تعالى تكون بالقيام بعمليات انتحارية للتصدي لأعداء الله من الكفار ومن خونة المسلمين (من وجهة نظرهم) فيُكتب للشاب بذلك العمل بأنه من الشهداء الذين يتقبلهم الله تعالى ويُجزيهم الجنة المليئة بالحورِ العين اللاتي ينتظرنه بشغف فلا مجال للتأخر عليهنّ.
ومما يبين لنا خُبث نية المتطرف (المُخطط) بأن تجده يغرر ببعض الشباب للانتماء لجماعات متطرفة كمتطرف (منفِّذ) وإيهامهم بأنها جماعة (صفوة) وتشجيعهم على تسليم أجسادهم وعقولهم لهم لكي يصبحوا أداة لتنفيذ العمليات الانتحارية, في حين أنَّ هذا المتطرف (المُخطط) لم يمكث مع الجماعات المتطرفة بل هو جالسٌ في منزله بين زوجاته وأولاده آمناً ومستقراً وجُلّ همه كيفية الحصول على قدرٍ أكبر من المال للتمتع بالحياة وإيهام الناس بأهمية الزهد في الدنيا.
فكم من أُسرةٍ اكتشفت في وقتٍ متأخر بأنَّ ابنها التحق بجماعة متطرفة, فعانت وفقدت ابنها الذي تربى ونشأ في كنفها لسنوات بسببٍ فكرٍ خبيث يجيش بعض الشباب لزعزعة أمن واستقرار أفراد المجتمع وإسقاط الحُكم.
وتتأكد خطورة تفشي ظاهرة التطرف بين أفراد المجتمع بأنَّ المتطرف في السابق غالباً ما ينتمي لفئة معينة من الناس وهم المتشددون في الدين من بعض خريجي كليات الشريعة في الجامعات, ممن يتصفون بإطالة اللحى وتقصير الثياب.. إلخ, إلى أن تطور الوضع وأصبحنا نرى ونسمع ونقرأ عن متطرفين من عدة فئات مختلفة لم نعهدها من قبل, فسمعنا بأستاذ جامعي متطرف, وقرأنا عن معلم متطرف, ورأينا خبر أنَّ هناك مهندس متطرف.. إلخ, مما يوحي لنا ذلك الأمر بأنَّ شريحة التطرف تزداد في الاتساع مع مرور الوقت لتشمل فئات المجتمع المختلفة من حيث التخصص الدراسي كالأستاذ والطبيب والمهندس والداعية.. إلخ (مع التنبيه بأن هذه الحالات عند البعض وليس الكل).
وعندما نبحث عن أسباب التطرف, فسنجد بأنها متفاوتة بين المتطرفين, إلا أنها في الغالب تكون أحد هذه الأسباب وهي:
أولاً/ الفهم الخاطئ لتعاليم الدين الإسلامي.
ثانياً/ التأويل الفاسد للنصوص الشرعية.
ثالثاً/ ضعف الثقة بالنفس.
رابعاً/ الضغوطات المصاحبة لبعض المشكلات الاجتماعية مثل: الطلاق ونحوه.
خامساً/ اليأس من الحياة.
سابعاً/ سهولة تجنيد المتطرفين عن طريق برامج السوشل ميديا المتنوعة.
ثامناً/ سلبية بعض المؤثرين في أفراد المجتمع تجاه وطنهم من مفكرين ومثقفين ومشاهير الفن أو السوشل ميديا.. إلخ.
تاسعاً/ الجهل, لذا يُقال: الجاهل عدو نفسه.
عاشراً/ الفقر, لذا يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كان الفقرُ رجلاً لقتلته.
مع التأكيد بأنَّه ليس بالضرورة وجود جميع هذه الأسباب عند المتطرف, فربما تجد سبباً واحداً منها كفيلٌ بانضمامه لجماعة متطرفة, كما أنه ما قد يؤثر على المتطرف الأول ليس بالضرورة بأن يؤثر أيضاً على المتطرف الثاني (بمعنى أنك قد تجد شخصاً متطرفاً كان السبب الرئيسي لتطرفه هو الجهل, وقد تجد شخصاً آخر متعلمًا إلا أنه متطرف تأثر بعامل آخر من العوامل المذكورة آنفاً غير عامل الجهل).
لذا فإنني آمل من قِبل الجهات الحكومية اتخاذ إجراءات صارمة في حقِ كل شخص متطرف وخصوصاً فئة المتطرف (المُخطط أو المُنظِّر) للحفاظ على أمن واستقرار أفراد المجتمع السعودي, فلا فائدة من مناصحتهم وتوجيههم لأنهم يكيدون للدولة ولولاة الأمر ولأفراد المجتمع كل شَر.
كما أُؤكد على جميع الأُسر بضرورة توثيق علاقتها مع أولادها وتعويدهم على التنشئة الصالحة التي ترتكز على وجود وازعٍ ديني يستند على القرآن الكريم والسنة النبوية, وتكسبهم التحلي بالأخلاق الفاضلة التي توجه سلوكياتهم نحو المسار الصحيح, وتعينهم على اختيار القدوة الحسنة والرفيق الصالح, وتُرسخ في أذهانهم أهمية الافتخار بالوطن والانتماء له, ووجوب طاعة ولاة الأمر, وتُبين لهم خطورة الجماعات المتطرفة على الفرد والمجتمع.
وأرجو بأن تتناول المدارس والجامعات والمعاهد في مناهجها الدراسية وأنشطتها على مواضيع لمشكلات معاصرة كالتطرف لتبيين خطره على الفرد والمجتمع وكيفية تفاديه حفظاً لأرواح المواطنين والمواطنات.
ولا يفوتني أن أؤكد على أهمية دور وسائل الإعلام من حُسنِ انتقاء إعلاميين مؤثرين بشكلٍ إيجابي في المجتمع ليطرحوا لأفراد المجتمع برامج معاصرة تفيدهم, وتكثيف توعية وتثقيف أفراد المجتمع بفساد فِكر ومنهج المتطرفين.
ولوزارة الشؤون الإسلامية دورٌ هام في مكافحة التطرف من خلال اختيار أئمة مساجد مُطيعين لولاة الأمر, ومحبين للوطن, ومعتدلين في طرحهم, ويجيدون اختيار مواضيع خُطبِهم التي يلقونها على الناس في يوم الجمعة لتبيين الحقيقة وتعرية الزيف أمام الناس.
وأختم مقالي بمقولة لنكولن:
بإمكانك أن تخدع بعض الناس كل الوقت, وأن تخدع كل الناس بعض الوقت, ولكن ليس بإمكانك أن تخدع كل الناس كل الوقت.