د.علي القرني
هل أصبح الإعلام مهنة من لا مهنة له؟
الكثير تدور بأذهانهم هذه الفكرة، بأن الإعلام أصبح مهنة مفتوحة للجميع، وينتسب إليه كل من أراد، وينضوي تحت عباءة الإعلام أشخاص ليسوا من ذوي مهنة متخصصة، بل هم مجرد هواة يمارسون هواياتهم المفضلة ويمتطون فرس الإعلام لتحقيق أهداف شخصية أو لصناعة اسم أو إشهار شخصية. وحتى الآن هيئة الصحافيين السعوديين لم تتوقف بإمعان عند هذه المسألة.
كثير من دول العالم تضع اشتراطات لدخول عالم الإعلام، فليس كل من أراد أن يكون إعلاميا أصبح إعلاميا، فهناك اشتراطات ومعايير تضمن الحد الأدنى من توافر شروط المهنة. وفي نظري أن مهنة الإعلام هي مثلها مثل التخصصات الصحية ينبغي أن يكون فيها اختبار تخصصي ومعرفة علمية وثبات نفسي في الشخصية.
وكنا في الجمعية السعودية للإعلام والاتصال عندما كنت رئيسا لمجلس إدارتها بصدد وضع مشروع «رخصة الإعلام» لكل من يرغب في الإنتساب لهذه المهنة، ولكن لم نجد الحماس في حينه من وزارة الإعلام جعل من المشروع خارجا عن سياق التطبيق الممكن. ولربما حاليا الظروف مواتية أكثر للتعاون بين هيئة الصحافيين السعوديين وبين الجمعية السعودية للإعلام والاتصال وتحت إشراف وزارة الإعلام في أن يعود المشروع من جديد لترخيص الممارسة المهنية في مجال الإعلام، وكثير من الدول التي حولنا لديها تجارب عملية في هذا السياق.
والشراكة بين هيئة الصحافيين السعوديين وبين الجمعية السعودية للإعلام والإتصال يجب أن يبدأ من جديد في دراسة ظاهرة الإعلام والاتصال في المملكة، وكذلك تطوير المهنة والارتقاء بها، ووضع ضوابط قانونية وأخلاقية لها. وأتمنى أن تبادر الهيئة والجمعية في عقد لقاء تشاوري في هذا الخصوص وفي كافة الأمور الأخرى ذات العلاقة بالإعلام.
إن مشروع رخصة الإعلام باتت مهمة جدا في إعطاء الشرعية لكل من يعمل في الإعلام، فمن حولنا دول لديها هيئات تعطي تراخيص للممارسة الإعلامية، عبر اختبارات مؤهلة للعمل في المهنة، كتحرير الخبر، ومعرفة تاريخ الصحافة والإعلام وبعضها أيضا اشتراطات في اللغة الإنجليزية وغير ذلك من الأمور القانونية والإخلاقية في مهنة الإعلام.
وعلى الرغم من أن الدخل المادي الذي يمكن أن تجنيه الجهات المانحة لهذا الترخيص سيكون مغريا لمثل هذا المشروع، إلا أن الجانب المادي هنا ليس مهما بقدر أهمية الارتقاء بالمهنة. ولا بد من وجود قوانين تفرض وجود هذه الرخصة لكل من ينتسب للصحافة والإعلام، كما أن هذه الرخصة يمكن أن تسحب من الشخص في حالة مخالفته لقوانين وضوابط الإعلام، وتتجدد كذلك كل ثلاث أو خمس سنوات.
وبهذا الأسلوب يمكن أن نرد على القائلين أن الإعلام هو مهنة من لا مهنة له، بالفعل وليس بالقول فقط. وستصبح مهنة الإعلام هي مهنة مثل مهنة الطب والهندسة والمحاماة وغيرها من التخصصات. ولا يوجد سبب يحول دون شرعية هذا الإجراء، لكون الإعلام هو مهنة خطيرة تتعامل مع العقول، والعقول هي أكثر أهمية من التعامل مع الجسد كالطب أو مباني كالهندسة أو قضايا محاكمات كالمحاماة. وأتمنى فعلا أن يشهد هذا العام 2019 وبقدوم وزير إعلام من الوسط الإعلامي الأستاذ تركي الشبانة وهو مدرك تماما لأهمية مثل هذا المشروع، أن يشهد تحقيق هذه الخطوات التي تبني لتاريخ الإعلام وترتقي بمهنة ومكانة الإعلام في بلادنا. وكما تفضل معاليه وزار هيئة الصحافيين السعوديين فلربما زيارة الجمعية السعودية للإعلام والإتصال ستكون خطوة محمودة وسابقة إيجابية، ويكون في إطار مثل هذا الاجتماع مناقشة موضوع ترخيص الممارسات الإعلامية من جهات مستقلة كالجمعية أو من مؤسسات المجتمع المدني كهيئة الصحافيين السعوديين والجمعية السعودية للإعلام والاتصال.