د. سعاد زيد الزيد
نلاحظ في الآونة الأخيرة ظهور بعض المفاهيم عن المسؤولية الاجتماعية، وتعتبر هذه المفاهيم من المفاهيم المعاصرة، لذا يجب أن يكون هناك ترسيخ لهذه المفاهيم المجتمعية، فنجد أن هناك بعض المؤسسات تؤكد على دورها التنموي وإحساسها بالمسؤولية الاجتماعية داخل إطار المجتمعات المتواجدة بها، وهذه المشاركة الاجتماعية لها أهمية لا تكمن فقط في الشعور بالمسؤولية، إنما أصبح أمرها ضروريًا لكسب تعاطف المجتمعات واحترامها وتقديرها.
فنجد أن مفهوم أخلاقيات العمل يعتبر أحد أهم المبادئ الاجتماعية التي تنبثق من الإيمان التام بقيم العمل حيث إن كل فرد مسؤول عن أداء العمل الذي يقوم به، وبالطبع فمفهوم أخلاقيات العمل يرتبط بشكل وثيق مع الأشخاص الذين يقومون بأداء أعمالهم بالشكل المتقن، ولا يتوقف ذلك عند هيئة أو مؤسسة سواء في القطاع العام أو الخاص، لذا ركزت المؤسسات اهتمامها بشكل خاص على أخلاقيات العمل وقيمه، فهي تسعى نحو تنمية الأخلاق الحميدة مثل الصدق والأمانة والالتزام والسعي إلى التميز، الولاء والاستقامة، واحترام الآخرين، وتقدير الوقت وحسن استغلاله، وأيضًا تسعى لمحاربة كل ما لا يليق بالأخلاقيات الفاضلة مع التمسك بالقيم السامية لما لها من فوائد متعددة للأفراد وللمجتمعات والعلاقات الراقية، فنجد أن الأخلاقيات تهدف إلى تحديد كل من القواعد التي تحكم سلوك الناس وما يفعلونه من أشياء حسنة لها قيمتها، وغالبية الناس يقدرون هذه القيم ويعتبرونها أساس السلوك البشري ومنهجية التعامل الإيجابي.
لنركز أكثر على جانب آخر في القيم الأخلاقيات وكيف تصبح أكثر تعقيدًا عندما يكون هناك مواقف تتضارب فيها القيم مع أمور أخرى في حياتنا، ونحن نعرف أن الأخلاقيات هي عبارة عن مجموعة القواعد التي تحدد السلوك السوي وتحدد أيضًا السلوك غير السوي، وهذه القواعد الأخلاقية تقول لنا متى يكون سلوكنا مقبولا ومتى يكون مرفوضا، ونلاحظ أن القواعد الأخلاقية متواجدة في كل المجتمعات والمنظمات رغم الاختلافات التي تتواجد بين فرد وآخر، لكنها تعتبر قواعد أخلاقية تحكم سلوك البشر فتحدد لهم متى تكون أفعالهم صحيحة أو خاطئة، أما فيما يتعلق بأخلاقيات الأعمال فإنها لا تختلف كثيرًا عن قواعد الأخلاقيات التي تحكم سلوك الأفراد في مجتمعاتنا، وتطبق القواعد الأخلاقية العامة التي تحكم سلوك منظمات الأعمال.
وعلى ضوء ذلك نلاحظ أن الجانب القانوني للسلوك الأخلاقي، أي أن السلوك يعتبر أخلاقيًا هو أيضًا قانوني ويفضله المجتمع ويشجعه، إلا أنه أحيانا تكون هناك سلوكيات غير أخلاقية ولكن من الصعب أن نعتبرها غير قانونية، وعلى سبيل المثال.. عندما يأخذ العامل وقتا أكثر من اللازم في أداء عمل معين فهل هذا سلوك أخلاقي؟ وأيضا عندما يستعمل أحد العاملين هاتف العمل من أجل مكالمات شخصية، وبذلك تتحمل المؤسسة ضياع وقت العامل، وتحمل تكاليف المكالمات التي أجراها العامل، أو أنه يدعي المرض ولا يذهب إلى العمل... ومثل هذه التصرفات لا يعاقب عليها القانون، ولكن كثيرٌ من الناس يعتبرون بعضها أو كلها غير أخلاقية.
ويشكل العمل أهمية كبيرة بالنسبة للإنسان فهو مصدره للكسب والرزق لذلك يسعى الإنسان إلى المحافظة عليه من خلال تمسكه بأخلاقيات العمل والقيم، ولنتعرف من خلال السطور التالية على مفهوم أخلاقيات العمل وأهمية التمسك والالتزام بأخلاقيات العمل لها أهمية كبيرة بالنسبة للفرد، وللمؤسسة التي يعمل بها، كتدعيم الترابط والتفاعل بين العاملين بشكل كبير مما يرفع كفاءة الأداء، وتحسين صورة وسمعة المؤسسة وحماية الموظفين من الخوف بشأن مستقبلهم فيها وحرمانهم من الحوافز والترقيات في وقتها، بالإضافة إلى زيادة الإنتاج والأرباح وهذا نتيجة لالتزام كل موظف بأداء ما عليه من واجباته تجاه عمله حيث إن من أهم أخلاقيات العمل التحلي بالأمانة، وإدارة الوقت بشكل صحيح وعدم استغلال وقت العمل في قضاء مصالح شخصية، وتعطيل مصالح العمل والعملاء كما يفعل بعض الأشخاص، والعمل على النجاح في تكوين علاقات طيبة مع العملاء مما يضمن تعاملهم المستمر مع المؤسسة.
ويمكننا اتباع مجموعة من الأساليب والطرق من أجل ترسيخ وتوطيد أخلاقيات وقيم العمل مثل قيام الفرد بتقييم أدائه بنفسه، ومعاقبة نفسه على الخطأ الذي يرتكبه دون أن يراقبه أحد وهذا لأنه يخشى الله سبحانه وتعالى ولذلك يسعى لإتقان عمله وإداريا يعرف هذا بتطبيق أساليب الرقابة الذاتية، عدم التميز بين العاملين فيجب أن يخضع الجميع للعقاب عند الخطأ لا فرق بين مدير، وعامل أو موظف فالجميع سواسية، وذلك حتى لا يعتقد أصحاب المناصب العليا في المؤسسة أنهم فوق العقاب مما يدفعهم إلى عدم الالتزام بلوائح العمل، فمن الأساليب والطرق توطيد أخلاقيات وقيم العمل هي:
o تشجيع الموظفين على تطوير أدائهم، وذلك عن طريق الربط بين الأداء الجيد والمكافأة والحوافز فدائما الموظف بحاجة إلى من يشجعه حتى يعطي أفضل ما لديه لمصلحة العمل.
o نشر الوعي بين صفوف العاملين بأهمية العمل وأنه هو مصدرهم للكسب، وضرورة المحافظة عليه وإتقانه جيداً مما يؤدي لزيادة أرباح المؤسسة ويرفع مستوى معيشتهم.
o يجب أن يلتزم المدراء، والرؤساء بأداء كل ما هو مطلوب منهم في الوقت المحدد لذلك بجانب هذا عليهم أيضاً الالتزام بقواعد وقوانين العمل، وعدم الانحراف عن اللوائح والقواعد الخاصة بالمؤسسة، وحتى يصبحوا قدوة لباقي الموظفين.
طرق مواجهة الفساد (التركيز على الجانب الأخلاقي):
لما كانت أسباب الفساد كثيرة ومتعددة فإن طرق مواجهته ومحاربته هي الأخرى كثيرة، من بين هذه الوسائل التي ترتكز على أخلاقيات العمل منها:
o إيجاد اتفاق جماعي على معايير الإدارة بالقيم، كأن يتفق الأفراد على وضع صفة الأمانة كإحدى القيم السامية الجديرة بالمحافظة عليها في المعاملات الإدارية والاجتماعية بينهم.
o حث القيادات على الشفافية والنزاهة في التسيير خاصة وأننا نعلم مدى خطورة الفساد الذي تكون رؤوسه القيادات العليا في المؤسسات.
o نشر التعليم وتوعية المواطنين لأن جهل الأفراد بحقوقهم وواجباتهم يزيد من فرص انتشار الفساد من خلال استغلالهم.
o محاسبة الأطراف المسؤولة عن الفساد مهما كان مناصبهم، ويكون هذا من خلال مجالس الإدارة، الجمعيات العمومية، أو النقابات.
o تبسيط إجراءات العمل والتخلص من العراقيل الإدارية والمعوقات.
o أن يتم إعادة النظر في مستويات وقيم الأجور والرواتب بين الفترة والأخرى.
دمتم بحب وسعادة.
وإن نجاح المسؤولية الاجتماعية وأخلاقيات وقيم العمل في مؤسسات وتنظيمات الأعمال، ويتوقف بدرجة كبيرة على مدى استعداد أفرادها لتبني هذا التوجه واقتناعهم به، ويتم هذا الاستعداد من خلال مكافحة الفساد ووقف استعمال أو استخدام المنصب، أو السلطة للحصول على أو إعطاء ميزة من أجل تحقيق مكاسب مادية أو نفوذ على حساب الآخرين ومصالحة الشخصية.