لم تعد تحتمي بشيء غير جدار مكسور من بقايا ذكريات سالفة.. فالعمر لا يمهلك لتحتضن سيلا من الذكريات.. ما يبقى بالكاد يجعلك تكمل مسيرتك اليومية بأمان وأنك ما زلت على قيد الحياة..
قررت أن تخبئ بعضها في ورق مذكراتها.. وبعضها الآخر مما لا يمكن البوح به في صندوق عقلها تستدعيه كلما شعرت بالحنين إليه وإلى مرابع تلك اللحظات الغائرة في ربيع العمر المنسي..
كانت كلما عصف بها الحنين واشتد أوار الشوق لشيء منسي تهرع لمذكراتها تفتش عن ذاتها التي أكلتها قسوة الأيام.. تلمس بأطراف أصابعها - التي ظلت ناعمة مع تقادم الزمن عليها - حروفها الوردية التي تتحدث عن تلك الذكريات الجميلة التي مارست فيها كل مباهج الحياة خيالا وحقيقة..
تتأمل تلك الحروف.. تعود للوراء.. تتنفس بعمق.. ثم تشهق كعادتها شهقة الموجوع.. ثم تنام بعد سيل من الدموع..
وفي كل مرة تفعل ذلك تجد نفسها وهي عالقة في ذاكرة اللاوعي تركن لما لا يمكن البوح به.. فتذوق المرارة مرتين.. مرة في الوعي ومرة في اللاوعي..
وتبقى روحها شريدة بين تلك المسافات.. وتلك الذكريات.. تجد متنفسها وحرارة قلبها.. وخيوط دمائها الحرة فيها.. وإن غلبها الواقع المرير بسرعته..
وعقدته ..
وشراسته ..
تظل عازفة الليل على وتر كل ذكرى جميلة مرت بها.. أو خلقتها اختلاقا وهميا..
** **
- د. أمل العميري