حمّاد السالمي
* قلبي مع السودان. البلد العربي الشقيق. أرضه وناسه. كيف لا؛ والسودان بلدنا العربي الثاني، وأهله الطيبين أهلنا..؟
* كلما رأيت متظاهرين يحتجون ويكسِّرون ويحطِّمون في الخرطوم ومدن سودانية أخرى؛ تذكَّرت فوضى الخريف العربي، الذي أخاف الناس، وأخرفهم، وجوّعهم، وقتلهم، ودمَّر مدنهم وقراهم، في تونس، ومصر، ثم هو.. هو الخريف العربي الدامي؛ ما زال منذ سنوات؛ يقتل ويخيف ويجوّع ويدمّر، في ليبيا، واليمن، وسورية، دون معرفة لنهاية هذه المآسي في هذه البلدان العربية المنكوبة.
* قلبي مع السودان وأهلنا في السودان، حتى لا يصل إلى ما وصلت إليه أقطار عربية أخرى؛ بفعل الفوضى التي رعاها فزرعها وغذَّاها أعداء العرب من بعض العرب وغير العرب، لتفتيت البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أقطارنا العربية.
* كيف لا يكون قلبي مع السودان؛ الذي لم تطأ قدماي أرضه، ومع ذلك؛ فإني أعرفه من خلال أهله. أعرف جغرافيته، وشعره، وأدبه، وحياته، من خلال رُسل السلام السودانيين الأوائل. رسل العلم والأدب والثقافة والعمل في كافة المجالات.
* عرفت وعرف جيلي السودان؛ بداية من الستينيات الميلادية للقرن الفارط. عرفته من خلال معلمين ومربين وأساتذة كبار في أخلاقهم وأدبهم. (أحمد الحبشي، وعبدالرحمن الحمد، وعبدالخالق يوسف، وفيصل شرفي، وإبراهيم عالم، وإبراهيم كنين، وتاج السر، والهادي آدم..). كثيرون لم تسعفني الذاكرة بأسمائهم. تعلَّمنا على أيديهم في التعليم العام، وخاصة في المرحلة الابتدائية، في حقبة الخلاف بين المملكة ومصر جمال عبد الناصر. كان الحضور السوداني العلمي والتربوي طاغيًا في كافة المدارس. كان هؤلاء من أجدر وأكفأ المعلمين، وأصبرهم على الغربة والعيش في قرى نائية، لا تصلها السيارات، وظروف الحياة فيها صعبة للغاية. تأقلموا مع المجتمعات القروية، فتبادلوا مع الناس حبًا بحب. عندما صدحت أم كلثوم في عام 1971م بأغنية: (أغدًا ألقاك)؛ من كلمات الشاعر السوداني: (الهادي آدم)؛ ظننا نحن طلاب معهد المعلمين الثانوي؛ أن أستاذنا للتربية الفنية الذي اسمه: (الهادي آدم)؛ هو صاحب الكلمات، فذهبنا إليه في سكنه نهنئه بهذا الإنجاز..!
* عرفت في حياتي العلمية والعملية؛ عشرات.. بل مئات الأفاضل من أبناء السودان. آخرون كثر عملوا معي في مكتب صحيفة الجزيرة بالطائف طيلة أربعة عقود. كانوا قمة في الالتزام وحسن التعامل. جزى الله الكل بكل خير، ورحم الله الموتى منهم، وأطال في عمر من بقي على قيد الحياة، فقد تقطّعت بنا السبل، ولكن حبل الود باق.
* ما زلت أتذكر مشهد خروجنا نحن التلاميذ من مدارسنا المتوسطة في الطائف في منتصف الستينيات الميلادية، واصطفافنا على جنبات الشوارع في استقبال الرئيس السوداني أوانذاك: (إسماعيل الأزهري). كنا نحمل الأعلام السعودية والسودانية، ونهتف للضيف الذي يقف إلى جانب الملك فيصل -رحمه الله- في سيارة مكشوفة، وهما يلوحان لنا بأيديهما. لحظة تاريخية لا تُنسى، خاصة وهي تأتي على وقع صوت العرب وأحمد سعيد، والردح اليومي ضد المملكة حكومةً وشعبًا.
* أتذكَّر أن أول من فتح عيني على قراءة الكتب غير المدرسية؛ وأملى علي عناوين أدبية وفكرية وأنا تلميذ صف رابع ابتدائي في مدرسة النصبة ببني سالم؛ هو أستاذي أوانذاك: (أحمد الحبشي)، وأن أول من حرَّضني على كتابة النقد الأدبي والاجتماعي؛ هو أستاذي في معهد المعلمين: (تاج السر). كتبت له قصة نقدية حول قول الشاعر:
إن النساء شياطين خُلقن لنا
وكلنا يشتهي رجم الشياطين
* كنت وقتها مؤيِّدًا للشاعر..! فوقفت معه في وصف المرأة بهذا الوصف الموحش، لكن أستاذي نبّهني إلى قول لشاعر آخر هو:
إن النساء رياحين خُلقن لنا
وكلنا يشتهي شمّ الرياحين
عندها كتبت مؤيِّدًا لهذا الشاعر ضد الأول، وناقضًا نقدي السابق بنقد جديد مع المرأة لا ضدها..!
* قلبي مع السودان.. دولةً وشعبًا وتاريخَ أمة شاركت في البناء والتنمية في أكثر من قطر عربي، وخاصة في بلادنا التي مرّ بها ملايين السودانيين، وما زالوا يعيشون ويعملون بيننا في هدوء وأدب جم. لم نعرف سودانيًا يحترم نفسه؛ باع ضميره لسبّنا من تلفزة أو وسيلة إعلامية معادية لبلادنا؛ مثلما هو ظاهر شاهر من غيرهم. وهذه مواقف نبيلة تحسب لإخوتنا وأهلنا من السودانيين.
* أخاف على السودان وشعب السودان من عدوى (الجرب العربي)، الذي ظهر في أكثر من قطر عربي، تحت الرايات المزيَّفة لربيع عربي مزيَّف هو الآخر. وأتمنى أن يجد عقلاء السودان؛ صيغة لحل المشكل الاقتصادي بعيدًا عن المزايدات الحزبية وتدخلات: (قطر وتركيا وإيران والإخوان المفسدين).
* أتمنى أن يعم السلام كل شبر في السودان؛ حتى نظفر من جديد بسودان ما قبل نصف قرن.. بهادي آدم جديد، وسوار ذهب جديد، وطيب صالح جديد، وسيد خليفة جديد يغني ليل نهار:
المَامْبُو دا سُودَانِي
المَامْبُو في كِيَانِي
في عُودِي وكَمَانِي
ما أجمل ألحَانِي
يا حبيبة ما احْلاكِي
المَامْبُو في غُنَاكِي
اللَحْنُو خَلاّكِي
تِتْمَايَلِي في خُطَاكِي
على أنْغَام المامبو