عبدالعزيز السماري
تختلف درجة حركة إشارات التعبير بين الشعوب، فتزيد في شعوب المتوسط وجنوبه، وتقل كلما سافرت شمالاً، حتى تصل إلى درجة التجمد أثناء الحديث. ومن أشهر تلك الإشارات إيماءات اليدين عند الحديث، وهي أحد أشكال التعبير بالأيدي. والاختلاف في هذا الشأن هو حول درجة التطابق بين حركة اليد، والكلام. وقد يتطابق بعض الأشخاص الذين يتحدثون يدويًّا بشكل جيد، وقد يميل أشخاص آخرون إلى عمل إيماءات كبيرة جدًّا يمكن أن تشتت انتباه المستمعين، وهناك آخرون لا يستخدمون أيديهم على الإطلاق.
بغض النظر عن المعسكر الذي تقع فيه، من المهم الانتباه إلى إيماءات يدك أثناء اتصالك مع الآخرين، أو أثناء تقديم عرض تقديمي في محاضرة أو برنامج؛ فقد تكون متصلاً بطريقة غير واعية بطرق لا تدركها، وقد تكون حركاتك لا تتناسق مع حديثك. ووفقًا لعلماء النفس، قد تساعد هذه الإيماءات على التعبير عن أفكارك بشكل أكثر فاعلية. وقد توصلت دراسات إلى أن الأشخاص الذين «يتحدثون» بأيديهم يميلون إلى أن ينظر إليهم على أنهم دافئون ومقبولون وحيويون، في حين أن الأشخاص الأقل تحركًا ينظر إليهم على أنهم منطقيون وباردون وتحليليون.
هناك دلائل عملية أن الإيماءة بالأيدي مرتبطة حقًّا بالكلام. والإيماء أثناء الحديث يمكن أن يعمق تفكيرك، ويمكن أن تساعد الإيماءات الناس على تشكيل أفكار أكثر وضوحًا، والتحدث بجُمل أكثر صرامة، واستخدام لغة أكثر تعبيرًا. ومنطقة الدماغ المعروفة باسم منطقة بروكا هي على الأقل مسؤولة جزئيًّا عن ذلك؛ فهي مرتبطة بإنتاج الكلام، لكنها تكون نشطة أيضًا عندما نلوح بأيدينا أثناء الكلام..
كتبت آني ميرفي بول، مؤلفة كتاب بريليانت: ذا نيو ساينس أوف سمارت، في دورية «بيزنس إنسايدر: «تُظهر الأبحاث أن الحركات التي نقوم بها بين أيدينا عندما نتحدث تشكل لغة ثانية، وقد تضيف معلومات غائبة عن كلماتنا». «إنه رمز سري للتعلم: فقد توضح الإيماءة ما نعرفه، وقد تكشف ما لا نعرفه».
العديد من الإيماءات عالمية عبر الثقافات والمناطق الجغرافية، وهنا بعض الأمثلة: فعدم استخدام إيماءات اليد قد يُشعر جمهورك بأنك لا تهتم بما تتحدث عنه، بينما تعني الأيدي مخفية (أي عندما لا يتمكن جمهورك من رؤية يديك) عدم الثقة بما تقول، أما عدم التطابق بين الإيماءة والحديث فيعني إما أنها لا تتوافق مع ما تقوله، أو قد تكون في مرحلة التعلم، ولم تصل الثقة لديك بالموضوع الذي تطرحه إلى درجة عالية من الإلمام..
فطن بعض علمائنا وأدبائنا الأوائل إلى أهمية الدلالة الحركية عمومًا، وإلى حركة اليد على الخصوص، وكيف تكشف عن مخبوء النفس وخواطر القلب، فالشاعر يستخدم إشارة الأصبع نيابة عن الألفاظ كرسالة حركية تغني عن الكلام. ويعتبر الجاحظ اليد معاونة للسان في البيان إذ قال: «لا بد لبيان اللسان من أمور، منها اليد»..
وفي بعض أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما يشير إلى استخدام حركة اليد أو الأصابع للتعبير عن معانٍ تكون الإشارة فيها أبلغ من العبارة، ومن ذلك قوله: «بُعثت أنا والساعة كهاتين، وقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى»، وقوله: «التقوى ها هنا، وأشار إلى صدره ثلاث مرات»، وقوله: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، ثم شبك بين أصابعه»..
كانت تلك الإيماءات مدخلاً لخروج لغة الإشارة منذ أن وُجد الصم في العالم. وقد بدأت لغة الإشارة في القرن السابع عشر في إسبانيا بعدما نشر (جوان بابلو بونيتت) مقالة بالإسبانية بعنوان (اختصار الرسائل والفن لتعليم البكم الكلام)؛ فاعتُبر هذا أول وسيلة للتعامل مع علم الأصوات، واستمر تطورها إلى أن أصبحت جزءًا من نشرة الأخبار في عصرنا الحالي، والوسيلة المعتمدة لتعلم الصم والبكم إحدى أهم طرق التعبير.