المساجد بيوت الله في أرضه، وهي عنوان للمجتمع المسلم، ورمز لحضارته. إنها مكان طاهر لأناس متطهرين، تهوي أفئدتهم إلى رحمات ربهم ومغفرته خاشعين متذللين لعفوه.. يدلفون إليها بعد استعدادهم بتطهرهم بماء طهور، يتم في غالب الأحيان من خلال دورات المياه الملحقة بالمساجد. والمفترض أن تكون هذه الدورات نظيفة مهيأة للاستخدام الآدمي، ولكن الحقيقة مُرّة، وعواقبها وخيمة، وتتعدى التقزز من هذا المنظر غير الحضاري، والروائح الكريهة، إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.. فهذه الأماكن أصبحت من الأماكن المفضلة للعديد من الحشرات الضارة والطفيليات القاتلة والفطريات الجائلة، التي تعمل بجد في جو يساعد على انتشار الكثير من الفيروسات المعدية، والأمراض المزمنة.. وذلك ينذر بعواقب وخيمة، صحية واقتصادية واجتماعية. ولا يقتصر الأمر على الدورات الخاصة بالمساجد، بل يشمل ذلك دورات الأسواق والمجمعات التجارية، ومحطات الوقود والاستراحات، بل يتعدى ذلك إلى دورات مياه المدارس والمصالح الحكومية. ويزيد من (حراجة) الموضوع وصعوبته متى ما كانت الحاجة لهذه الأماكن من قِبل كبار للسن، أو نساء، أو أطفال.
وإذا كان درهم وقاية خيرًا من قنطار علاج فإن المفترض توفير دورات مياه صحية، أو على أقل تقدير قابلة للاستخدام الإنساني؛ فهناك عواقب وخيمة لعدم الاهتمام بدورات المياه، خاصة ما يتعلق منها بانتقال العدوى بالعديد من الأمراض المزمنة. ولو قارنا بين تكاليف الاهتمام بدورات المياه وتكاليف علاج ما يترتب على إهمالها من أمراض، التي تكبد خزانة الدولة مئات الملايين من الريالات، لبادرت جميع وزاراتنا لمعالجة ذلك، خاصة وزارة المالية، حتى لو أدى الأمر إلى تخصيص دورات المياه بوضع رسوم رمزية عليها. والأمر ليس بدعًا؛ فهناك العديد من الدول التي سبقتنا بعمل ذلك، ونجحوا فيه، بل إنها أصبحت مضربًا للمثل في ذلك.
ومشكلتنا ليست في التنظيم أو اختراع العجلة من جديد، بل المشكلة في وجود أنظمة عديدة، مكانها الأدراج وملفات الأرشيف بعيدًا عن التطبيق على أرض الواقع. فقد فوجئت بأن النظام الخاص ببناء محطات الوقود والغسيل والتشحيم ومراكز خدمة السيارات الصادر عن أمانة محافظة جدة ينص في لوائحه الخاصة بدورات المياه العامة الملحقة بمحطات الوقود على العديد من الاشتراطات، منها: يجب استخدام السيراميك من النوع المانع للانزلاق في الأرضيات، لا تقل سماكته عن (8 مم)، والسيراميك الناعم الملمس في الحوائط بسماكة لا تقل عن (6 مم)، وبارتفاع الحائط، ويفضل الألوان الفاتحة، وأن تكون الأبواب جيدة ومدهونة بطلاء عازل للرطوبة ومُحكمة الإغلاق من الداخل، كما يجب توفير العدد المناسب من مغاسل الأيـدي وتزويدها بالمياه الحارة والباردة ومصدر لمياه الشرب وسلال المخلفات. كما يجب تخصيص عامل خاص يقوم على نظافة دورات المياه، ويقوم بتزويدها بالصابون السائل والمناديل الورقية بصورة مستمرة.
هذا هو النظام الصادر، فهل رأى أحد منكم دورة مياه في أي محطة وقود تنفِّذ هذه الاشتراطات؟! أين الجهة التي وضعت هذا النظام؟ وأين آليات متابعة تنفيذه؟ أم أن هذه الأنظمة لعالم آخر غير عالمنا، عالم ليس له وجود إلا في عالم الأفلام والكتب والأحلام؟!
** **
Salehn36@gmail.com