د. سعاد زيد الزيد
الكل يلاحظ أن العالم في تغير وثورة علمية متقدمة ومتسارعة، وسرعة هذا التقدم والتطور الحضاري جعلت دول العالم بأسرها تتسابق من أجل اللحاق بركب التطور، بل واقتنعت كافة الأمم بأن التقادم في أي مجال من مجالات الحياة قد يجعلها من الدولة خارج التصنيف الدولي حسب معايير ومؤشرات التقدم في المجالات المختلفة، وهذا الأمر شجع الدول من خلال أدوار مؤسساتها تعزيز ثقافة الإنتاج لدى مواطنيها.
ولنقف عند معنى الإنتاج أو الإنتاجية فهي لا تعني ما ينتجه المصنع أو المؤسسة على وجه الخصوص، لكنها تعني كل ما تم تحقيقه من أهداف وأنشطة من قبل المنتجين سواء كانوا من الأفراد والمؤسسات والهيئات، بشمولية المعنى والدقة، أي تعتبر وسيلة من وسائل تدوير عجلة التغيير والتطور في المجتمعات، وفي المقابل فإن أي نمو يحصل في ثقافة الإنتاجية يزيد من النمو في الثقافة الاستهلاكية، والعكس بالعكس، فهي تتمثل بالانتقال من عمليات الاعتماد الكلي على الاستهلاك إلى عمليات الإنتاج مع مراعاة الاستهلاك كجزء طبيعي من حياة الفرد وإشباع حاجاته الضرورية، وتوفير متطلبات حياته الاجتماعية مع السعي في سبل إنتاجها.
نلاحظ هنا أن المشكلة تكمن في زيادة معدلات الاستهلاك عن معدلات الإنتاج، مما يظهر أمامنا مشاهدات الظواهر السلبية خاصة في دول العالم الثالث، وهنا نؤكد أن مؤسساتنا في حاجة ماسة للاهتمام بالمهارات الحياتية مع التركيز على تنمية الوعي بالثقافة الإنتاجية والاهتمام بها، على أن يراعى الاختيار الأفضل واستخدام الأمثل للموارد في المدخلات، مع الاستفادة من التطورات المعرفية والتكنولوجية الحديثة واستغلال الإمكانات المتوفرة للوصول إلى أفضل المخرجات وفقا للأهداف المرصودة مسبقا.
ويعتبر هذا الأمر بمثابة الحافز للأفراد والمجتمعات والدول على الإنتاج والمحافظة على المعرِفة الإنتاجية وتطوير المهارات العملية والحرفية، فالمجتمعات الإنسانية تكمن أهدافها في تحقيق درجة عالية مِن التغيير والنمو المتطور، لذا فإنها بحاجة ماسة إلى توفير الكفاءات الماهرة من الأفراد الذين يكونون من أهم عناصر العملية الإنتاجية، وهو ما يعرف بالعنصر البشري، فلا يمكننا أن نتحدث عن التنمية الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية إلا بالتطرق إلى ثقافة الإنتاج وتطورها، ويكون هذا عن طريق التركيز على المحاور الأساسية التالية وتتمثل في:
- تنمية ثقافة العمل من خلال الإخلاص، وحب العمل، والالتزام والإتقان، والسعي لتطويرِه وتطويرِ الذات للاندماج في أسواق العمل.
- المبادأة والاستعداد والإيجابية يدفع الفرد إلى تقديم الاقتراحات التي تساهم في زيادة حماسهم، وزيادة إنتاجهم.
- دور الخبرة، والتي نعني بها التجرِبة المبنية على المعرفة؛ لأنها مِن أساسيات التأثير على مهارة الإنتاجية، فنجد أن من معايير التقدم الإنتاجي المحافظة على الخبرات السابقة، وهي التي تساعده على تلافي الأخطاء في جميع مراحل الإنتاج.
- نشاط التدريب بأنواعها تترك الأثر الفاعل ويؤدي لارتفاع معدلات الإنتاجية.
- التعليم المستمر والمعرِفة وتوفير المعلومات اللازمة، تصقل مهارات الفرد ومن ثم تزيد من معدلات الإنتاجية.
- الزمن يعد من العوامل المؤثرة على الإنتاجية لارتباطه بالإنجاز.
استنتاجا لما سبق نجد أن مِن أسباب تراجع المشروعات في الدول المختلفة يعود على ضعف الثقافة والوعي بالإنتاجية؛ واستخدام الأفراد في المجتمع ثقافة الاستهلاك والاتكالية، ومن ثم تصدرت على ثقافة الإنتاج والاستقلالية.
إلا أنه يمكننا أن ننمي الثقافة الإنتاجية من خلال التأصيل لمبدأ الثقافة الإنتاجية، وتدريسها ضمن المناهج الدراسية في جميع مراحل التعليم العام وفق معايير التغيير والنمو، كذلك ننمي لديهم حب الاطلاع على كل ما هو جديد، وكيفية صناعته، فينتهجون أسلوب (أنتج قبل أن تستهلك).
ولتأصيل الروح الإنتاجية وتعزيزها عن طريق استحداث ورش عمل مهنية متخصصة كتطبيق عملي للإنتاج، وتبني عمليات الابتكار والإبداع، والاهتمام بالحوافز التشجيعية، والوقوف على تجارب العالمية، وتفعيل دور الأُسرة وإشراكها مع أبنائهم في تعزيز ثقافة الإنتاج والإنتاجية، وأيضا تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني ووسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي في عمليات الإنتاج والتصنيع وعرضها بالطرق المحفزة، مع دعوة المواطنين للمشاركة والحضور لإبراز دور المتميزين في الإنتاج والابتكار، وتكريمهم إعلامياً لدعم الشباب وتعزيز الثقة بإنتاجهم، وتنظيم المسابقات التحفيزية الدورية، كل هذه السبل لتحفيز الشباب على الابتكار والإنتاج، وتحقيق أهداف نشر الثقافة الإنتاجية في المجتمع وأفراده، والانتقال بالمجتمعات من مجتمعات مستهلكة إلى مجتمعات منتجة وتتصف بالتكامل.