د. خيرية السقاف
هي أيام قليلة التي اعتلى فيها وزير التعليم مقعده، لكنه جافاه جلوساً، كالذي نشاهد، ونرى، ونسمع، وكثير منكم يلتقونه، يجتمع بهم، يحضر هو إليهم، يقلب الملفات، ويراجع الأوليات..
وزير نشط حتى هذه اللحظة، منحنا شيئاً من التفاؤل..
هذا لا يعني أن مَن قبله لم يفعلوا شيئاً، غير أن مؤسسة التعليم وقطاعاتها، ومضامينها، وأدوارها ليست تعتمد على فرد، ما لم يشرك معه كل خبرة، وفكر، ومهنية، وقدرة على التطوير، والتمكين في الأمر، بشكل دومي، متواصل لا يأبه بزمن..
بين يدي الوزير إرث ضخم، فتح سراديبه، وطرقه، ودروبه، وهو يحتاج لصهاريج من نور، لا مصابيح فقط، ولا شعاع..
وفي بداية خطى هذا الوزير نلمح فيه الدراية، والوعي، ومنه السير إلى الجادة، والعمق..
هذا وحده مؤشر لبوصلة اتجاهاته، نأمل أن يبلغ بها المرام..
لا شك سوف نظل نرقب الذي سيأتي من تثبيت صواب، وتغيير اعوجاج، ورسم جديد، ودفع جدية، وإقالة عثرات؛ لتواكب مؤسسته بقطاعاتها الأهداف المخططة لها، والمنشأة من أجله على مستويات تقفز لأرقى مؤسسات التعليم في العالم، دون المساس بالقيم، والخصوصية، وإحراق العبق، وطمس الملامح!!..
ولعل أول ما يُرتجى من التعليم هو أن يُنتج إنساناً متعلماً حقيقة لا صورياً..
وهذا يجعل المتصدر أوليةً في مهام التعليم هو أن تكون الفصول الدراسية واقعاً هي المصنع الحقيقي لهذه الغاية المأمولة، يتحقق هذا الهدف في داخلها، وليس بعد خروج الدارسين منها بين أيدي المدرس «الخصوصي»، أو التخبط بين الاكتساب وعدمه!..
فالفصول الدراسية كما هي معلوم للجميع، وتسعى مؤسستنا التعليمية بجديتها لتحقيقه، ليست حيزاً لتلقين المدرس، ولا للإصغاء المفرغ من الاستيعاب إليه، ولا لاتباع تعليماته دون فهم، ولا لترديد ما يقول بتلقائية، ولا لتخطي صفحات الكتاب المقرر دون قدرة الدارس على التطبيق الذاتي لمفرداته، واكتسابه خبرة محتواه، وبلا قدرته على إتقان مهاراته، والوعي بما فيه بحيث ينعكس في سلوك هذا الدارس، والتشبع بمعارفه، ومهاراته، وعمومه، وتفصيله..
وعلى الرغم من وجود مراكز تدريب للمعلمين والمعلمات عالية المهنية، تابعة للمؤسسة التعليمية الكبرى، إلا أن هناك لا تزال فجوة بوجود هذا النوع الملقِّن من المعلمين والمعلمات داخل الفصول..
فأين تكمن هذه الفجوة؟..
لعل في خطوات الوزير النابه توجهاً نحو موقع هذه الفجوة ليردمها..
فالمعلم الذي يخرج تلميذه من فصله بعد درسه وهو لم «يتعلم» منه، ويعجز عن «التعلُّم» ذاته، لعدم استطاعة فهمه في الفصل، ولا فهم ما في كتابه المدرسي، إلا حين يجلس إلى معلم «إضافي» في المنزل، لا حاجة للتعليم إليه؛ لأنه حينئذ عنصر غير مجدٍ، ولا منتج، ولا فعّال..
ويكون في إقصائه عن التدريس الجدوى إن لم يتطور بالتدريب..
والمنطق الصحيح أن ليس كل تربوي مؤهلاً للتدريس، هذه حقيقة؛ فالمهنية ليست معارفَ، وعلوماً وحدها، بل تحتاج إلى خصائص يتفق عليها المهنيون، حتى الخبرة في التدريس إن لم تمتزج «بموهبة، ورغبة، وجدية، وحرص» تصبح جامدة، يؤديها المعلم كما تؤدي الآلة عملها، تطحن، وتعجن، وتخلط، وتصنع.. لكنها تختلف في الأداء، والإنتاج..
إن الحديث عن التعليم ذو شجون، ولعلها شذرة من فكرة طرأت لي عفو الخاطر، في حين قراءة عن خطوات وزيرنا النابه النشط في أروقة المؤسسة، ومع صانعي مجدها..
وفقه الله، ووفقهم معه جميعهم، وجميعهن..
وفي الجعبة الكثير..