د. محمد بن إبراهيم الملحم
في علم التغيير المخطط Management of Planned Change يمثل الإنسان محوراً لكل نماذجه ونظرياته وهذا يشرح قيمة الممارسات أمام الأنظمة، وقد قدمت سلفاً أن التغيير في الأنظمة الناعمة مع فائدته إلا أنه لا يعمل في ظل إشكاليات الممارسات، لذا يكون تغيير الممارسات هو الفيصل في حدوث الأثر الملموس، وقد ورد ذكر الأنظمة الصلبة Hard Systems وهي الأنظمة المتعلقة بالجانب المالي المرتبط بالأداء: كالرواتب، والمكافآت وما في حكم ذلك، وأشير هنا أنها عامل مساعد مهم في تحسين الممارسات إذا ما أحسن التغيير فيها، وأهم أداة من أدواتها التي تجعلها تعمل بكفاءة وتقدم أثراً ملموساً هو: التقييم، فكلما كان سليماً من العيوب ومتقنا وشاملاً وعادلاً ويتوخى الجودة النوعية وأفضل الممارسات، كلما تحركت تروس الأنظمة الصلبة بكفاءة وفعالية لتعمل على قولبة الممارسات في الشكل الذي يريده المخطط الإستراتيجي للعملية التعليمية لتبلغ أهدافها التنموية، ومع ذلك فإن الأنظمة الصلبة ليست وحدها التي تغير الممارسات، بل تأتي بعدها مباشرة قيم المنظمة وإستراتيجياتها ورؤيتها والقدرة النوعية للمنظمة على بث هذه الرؤية وزرع إيمان المنتسبين بها حتى «تتمأسس» institulized الممارسات.
كل ذلك سيضمن تعليماً متميزاً، تشاهده وتلمسه وتفخر به، ومع ذلك تظل النتائج الاقتصادية رهنا لتناغم الرؤية الطموحة للتعليم كأحد مكونات الاقتصاد «المعرفي» مع رؤية المكونات الأخرى، ذلك أنه متمم لغيره وليس هو الأداة الأساس للتنمية، فإذا كانت أجهزة وميكانزمات التنمية الأخرى لا تعمل بنفس نمط وأجندة رؤية التعليم فعندئذ ستكون هذه الفجوة عامل نقص يمنع مشاهدة نتائج ذات قيمة اقتصادية مهمة. لابد أن تتناغم جهود وفرص وتنظيمات المؤسسات الأخرى مع حركة وجهود وتوجهات التعليم ليتحقق التكامل المنشود ويكون منتج التعليم (الفرد المنتج للاقتصاد الوطني: رأس المال البشري) هو رأس مال حقيقي لتلك المؤسسات التي هي قطاع إنتاجي مباشر للاقتصاد، ولهذا فإن تطوير التعليم في إطار وزارة يختلف عن تطويره في إطار مجالس وطنية عليا ذات نفوذ شمولي.
عودة إلى سؤالنا الأساس: هل التغيير يكون في الأنظمة أو الممارسات: أيهما أولاً؟ فبلا شك تأتي الممارسات أولاً وحتى التغيير في الأنظمة إن حصل يكون لاستهدافها هي أصلاً. التغيير في الأنظمة فقط أو حتى البدء بها (وهذه عادة تكون أنظمة ناعمة) يكون تغييراً رمزيا يبث الارتياح أن هناك شيئا ما حدث ومع أنك تجد له أثرا ما لكنه لا يحقق نتائج نوعية عالية يمكنك أن تصفها بهذه المفردة: «تغيير»، ويظل المنتج النهائي (مستوى الطالب) هو نفسه غالباً. في هذا السياق شاهدت جملة من مبادرات معالي وزير التعليم الجديد حمد آل شيخ لتطوير التعليم (ولا أدري عن صحتها فهي عبر الواتس) تضمنت تغييراً واحداً أعجبني جداً وأصنفه ضمن تغيير الممارسات: وهو التأكيد على المعلمين بمتابعة الطلاب في القراءة والكتابة والعمل الجاد في ذلك، وهذا التركيز على ممارسة من الممارسات سيكون له أثره الظاهر على المنتج التعليمي إذا ما أنجز فعلاً، وهو أمر يتوقعه كل أحد حال سماعه، أما التغييرات الأخرى فقد كان أكثرها في الأنظمة الناعمة ولكن أرجو أن يكون لها ما وراءها من تغييرات ممارسات تأتي لاحقاً لتساندها مما يقدم منتجاً تعليمياً ملموساً -بإذن الله- تحت قيادة وزير طموح ومفعم بالنشاط.