شريفة الشملان
الماء شريان الحياة، به قال سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}..
هذا الشفاف الجميل الذي يملأ البحار والأنهار الشلالات الجميلة التي يُسافر لها في كل مكان، بحيرات على سطع الأرض وبحيرات تحت الأرض.
كم هو جميل منظر المياه في الكهوف، حيث يمارس التجديف داخلها مع أنوار موزعة هنا وهناك.
المطر وهو يقبل وجه الأرض ونفرح نحن أيضاً نتذكر طفولتنا وتلك الأهازيج للمطر.
نعمة الماء في كل شيء وفي كل مكان وكل مادة يدخل فيها.
هذه النعمة التي لكل حي نصيب منها الزهر والشجر والحيوان. لكن كم يبدو مؤلما عندما لا يستطيع الإنسان رشف شيء منه، بل أن الرشفة تعد حلما كم هو صعب مناله. فهذا الجميل الرقراق الذي يعطي للحياة بهجة وسعادة هو عدو لتلك الأجساد التي فقدت كلاها حيويتها ونشاطها.
عندما تفشل الكلى يفشل معها الكثير من أسباب الحياة. حيوية الفكر والعمل، النشاط الاجتماعي. الإنسان يصبح ينتظر الآلة لتساعده على البقاء حتى يحدث الله بعد ذلك أمراً.
مسبباته كثير، مضاعفات مرض السكري أولها، ولعل الأدوية تعمل عملاً كبيراً في انتشاره. خاصة المسكنات، حيث استعمالها على فترات طويلة تؤدي للفشل.. الكلية تلك التي تصفي لنا الدم وتعيننا على إشراقة الوجه والحياة، يؤثر بها أيضاً الأدوية عموما وخاصة المضادات الحيوية، أيضاً تحمل العطش لساعات طويلة. أو حبس البول (معذرة) لفترات طويلة.
من المؤسف أن الأطباء أحياناً يساعدون أو يغضون النظر عن مسببات هذا المرض، ويصرفون المسكنات دائماً، ولا يحذرون منها.. كما يصرفون المضادات الحيوية دون توخي الدقة أحياناً والتأكد من عدم حساسية المريض لها. الإحصائيات كبيرة عن هذا المرض الفشل الكلوي، تكاليف الغسيل الكلوي صعبة جداً وباهظة وإذا كانت بلادنا لله الحمد قادرة على تكاليفه ففي بلدان أخرى لا يستطيع المريض إجراء عملية الغسيل وقد يضطر لعملها مرة في الأسبوع وهو يحتاج ثلاث مرات.. هناك جمعيات خيرية عبر بلدان العالم تساعد مرضى الفشل الكلوي.
عمليات نقل الكلى تسير بصورة جيدة ولكن هناك من يتردد كثيرا في التبرع بالكلية ولعل معهم حق في الخوف لأنه ليس سهلاً التبرع بقطعة من الجسد. بينما عالجت بعض الدول كفرنسا وتونس توفر الأعضاء بأحقية الأحياء بأعضاء المتوفين فالحي أبقى من الميت ومن أحياها كما أحيا الناس جميعاً. ننتظر تشريعاً مماثلاً من هيئة كبار العلماء ومجلس الشورى فبالرغم من حب الناس للخير و معرفتنا أن المستشفيات لا تنقل الكلية من السليم إلا وهي متأكدة تماماً من سلامته سلامة تؤهله للعيش بسلام وأمان.
نجاح النقل أكبر دليل على نجاح الفريق الطبي من جراحين ومتابعين في أقسام الزراعة. ومستشفيات المملكة مشهود لها بذلك ولعلي لا أجافي الحقيقة إذا قلت أن مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام من أكبر المستشفيات نجاحاً بذلك..
علينا أن نحمد الله على نعمتين أن نشرب بيسر ونتخلص بيسر. وهي نعمة كبيرة لا يعرفها إلا من فقدها.. وهنا أتذكر قصة من التاريخ (دخل الزاهد بن السماك على الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي لا تمر غيمة إلا وله خراجها. وكان يريد أن يرفع كأس الماء لفمه، فقال له أصبر قليلاً لم يشرب الرشيد، فقال بن السماك أترى لو لم تجد هذه الشربة ماذا تفعل، قال له أدفع نصف ملكي لها، فقال اشربها هنيئاً. لما شربها قال له أستحلفك بالله ماذا لو حبست في جوفك فبكم تشتريها، فرد الرشيد بملكي كله.. فقال بن السماك أي ملك نصفه بشربة وتفضله ببولة.
أخيراً أكتب مقالي هذا لأؤكد على أهمية الوقاية أولاً وأخيراً لما يمثل هذا المرض من ألم وتعب وأنفاق ليس على الموارد الوطنية فقط ولا على الشخص جهداً وعملاً فقط لكن الأسرة بكاملها والمجتمع إذا كنا نطلب بزيادة المتبرعين فلابد أن يقابلها حملات واسعة فـ(درهم وقاية خيراً من قنطار علاج).
وسلامتكم جميعاً مع قبلات على رؤوس المتبرعين.