د.خالد بن صالح المنيف
في منتصف القرن التاسع عشر, ومن المدينة الروسية العريقة بطرسبرغ, وبعد نجاته من الإعدام بعد هول يروّع الأسود؛ كتب دوستويفسكي لأخيه: «حين أنظر إلى الماضي، إلى السنوات التي أضعتها عبثًا وخطًأً، ينزف قلبي ألمًا؛ فلا يعرف معنى الحياة إلا من فقدها أو أوشك على فقدانها!
وحين أتأمل في الماضي أفكر بكل الوقت الضائع سدًى، أفكر بلحظات البطالة والعطالة والضلالات والفرص التي راحت.. كم أخطأت بحق نفسي وروحي..
عندما أفكر بكل ذلك أشعر بنزيف دام في قلبي. الحياة عطية، الحياة هدية ثمينة جدًا، ولا نعرف قيمتها إلا عندما نفقدها أو تصبح مهددةً فعلًا. الحياة سعادة. في كل دقيقة يوجد قرن من السعادات.. آه من طيش الشباب! والآن إذ أغير حياتي أشعر وكأني أولد بصيغة أخرى!»
في لحظة ما، ستدرك أن كل ما في هذه الدنيا لا يستحق الغضب، ولا الانفعال، ولا التحسّر!
وهذه (مليكة اوفقير)، وبعدما ذاقت الأمرين و عانت معاناةً شديدةً في السجن، كتبت: «إني لأرثى لحال هؤلاء البشر الذين يعيشون خارج قضبان السجن، ولم تتسن لهم الفرصة ليعرفوا القيمة الحقيقية للحياة!»
لست محتاجًا لأن يحكم عليك بالإعدام، أو أن تسجن -لا سمح الله- لكي تصل إلى هذه الحقيقة!
فقط، كل ما تحتاج هو وقفة مع النفس، وتأمل لأحوالها، ومراجعة وتقييم لبعض سلوكياتك وطباعك!
ولو أننا تأملنا في حياتنا لوجدنا أن السبب الذي يعكر مزاجنا، ويطرد سعادتنا وراحة بالنا وهناءة عيشنا هو أننا نهتم في كثير من الأحيان بأمور تافهة وصغيرة، وننشغل بها، وعلى سبيل المثال:
- تتصل على إنسان عدة مرات، فلا يرد عليك، ولا يعاود الاتصال عليك لاحقًا.
- شخص يستعير منك غرضًا، وينسى أن يرجعه.
- زيادة الملح في الطعام.
- تدخل محلًا لتشتري غرضًا، لكن -للأسف- المحل ليس لديه صرف لنقودك.
- تلبس ثوبًا نظيفًا، وتستعد للخروج من المنزل، ويأتي طفلك الصغير، ويده متسخة، ويجر ثوبك فيلطخه.
- الأم جالسة على الأكل، وفجأةً ولدها الصغير يسكب الحليب على السجاد.
من اليوم، لا تجعل صغائر الأمور تعطل حياتك، أو تستنزف طاقتك!
من اليوم.. تسام على التوافه! فحياتك تستحق أن تشغلها بالعظائم، ومعالي الأمور! وتذكر أنك لست قيمًا على هذه الدنيا، ولا مسؤولًا عن شجونها وشؤونها وتصويب جميع أمورها؛ فالكرة الأرضية معمورة ببشر طبعهم النقص, ورفقًا بأخطائك وأخطاء البشر وعثراتهم فكلنا خطاؤون ولكل منا نصيبه من النقائص, كذلك لا تكن ضيق الصدر متبرمًا من مواقف لم يكتب لها حد الكمال حتى لا تعيش أبد الدهر مستنفرًا مستفزًا, واحذر أن تكون مفرطًا في الشعور تجاه أحداث الحياة، ولا تصنع بالونًا كبيرًا من كل فقاعة صابون، ولا جبلًا كؤودًا من كل تل شعوري يطرأ عن كل عدوان على شخصك الكريم! لست مضطرًا للتطوع في كل معركة، والمساهمة في كل نزال ولا أن تخوض أي جدال, وليس عليك القبول بأي مهمة؛ فلم تعين مديرًا للكرة الأرضية، ولست معنيًا بحل جميع مشاكل البشر, لا تقلق بشأن الأمور السياسية أو الاقتصادية خاصةً إذا ما كانت أعباءً لا شأن لك ولا خبرة ولا دراية.