علي الخزيم
بالصغر أشغلني أمر الحشرة التي تَنْدس بين النخلة والشجيرات بفناء منزلنا ومساءً تبدأ بمشاغبتنا بمعزوفاتها ولا يسكتها سوى الضوء أو حرارة الشمس فتخلد للمبيت متوعدة بحفلة ليلية أعتى وأعنف، فقرأت عنه مبكراً، ولكن قصة مدرسة مكة المكرمة للبنين التي تعرضت لبدايات هجمات الجُنْدُب (صرصور الليل) أيقظت عندي الذكرى؛ وأرفع الحمد لله سبحانه أنها لم تكن مدرسة للبنات وإلا لكانت المدرسة قد أغلقت ولن يكتفوا بتعليق الدراسة!.
وذَكَر صرصور الليل ليس هو الوحيد الذي يُصدر صوتاً ليلياً بين الحشرات لكنه الأعلى صوتاً بينما الأنثى تستمع مُجبرة على هذا الصداع إلا إذا حانت الساعات الحميمية فإنها تخادعه بتشجيعه والتظاهر أنها مُنسجمة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ثم تَنْكُص على عقبيها، وهو يعيش بالمناطق المُعشبة الخضراء المعتدلة أو الحارة نسبياً ولا يحب المناطق الباردة، ويُفضِّل النباتات، فإن لم يجد فإنه يتطفل وبكل وقاحة على طعام الحشرات الأخرى وإن قاومته أكل بعضاً من أطرافها، فهذا النوع من الصراصير ليس بجنس واحد، بل تختلف باختلاف المناطق فمنها اللطيف ومنها الشرس الذي إذا جاع لا يُفَرِّق بين مُلكه وأملاك الحشرات الأخرى وإن أبت قاتلها وما أنهار منها فعليه السلام ليكون على رأس المأدبة الجماعية القادمة، هذا مع العلم أنه يملك قوة الصبر عن الطعام لمدة شهر كامل؛ ما أقوى بأسه.
ورغم اختلافها وتعدد أمزجتها إلا أن الهدف من ألحانها ليلاً هو واحد وله أسباب وغايات لا تختلف بين أيّ منها؛ ووجدتُ أن الأهل والناس حولي يعتقدون أنه يصدر ألحانه من أرجله لكن عرفت مما قرأت أنه يعزف بواسطة أجنحته، ويؤكداً علماء أن أطراف أجنحته السفلية مُسَنَّنة كحد الموس بينما العلوي مسطح أملس فيمرر الحاد السفلي على العلوي المسطح فيصدر ذلكم النغم الشجي حيث بإمكانه تغيير اللحن ورفع طبقته وخفضها وذلك بإمالة أجزاء أجنحته التي يموسق بها وتغيير زاويتها، لا سيما أنه يشعر أن من البشر من أخذه السهاد وربما الهيام والشجن فيشاركه مشاعره ولوعته، فهو بالحقيقة مجتهد يريد إسعادنا ولم يعلم أن أكثرنا يدعو عليه بالهلاك طوال الليل، ولكن لا تظن أنه يُغيِّر النغمة عبثاً فعنده لكل وزن معنى وغاية؛ فللغزل لديه نغمتين حادة وهادئة الأولى لنداء الإناث من مكان قصي والأخرى للقريبات، وإن أزعجك بصوت حاد عدائي فاعلم أنه يواجه خصماً عنيداً أو مُتحرشاً بمحارمه -والعياذ بالله-، وله نغمة رقيقة وادِعَة تُعبِّر عن السعادة لا تدوم طويلاً وذلك بعد الفراغ من ألعوبة الليل المفضلة مع المدام، وليس من حقنا أن نحشر أنفسنا في حياتهم لنسأل ماذا كانوا يلعبون؛ دعوا الخلق للخالق، والتفتوا إلى مخادعكم.
ومما قرأت فإن الأمريكان يعتبرون صراصيرهم من الطبقات الراقية ويرفضون الاعتراف بالصرصور الأسود والبني الغامق، فلا يقبلون بغير الأشقر، بينما الألمان أكثر تواضعاً منهم فقالوا إن صرصورهم بني يميل للأشقر وانه يشابه لحد كبير الصرصور الآسيوي، فاللهم لك الحمد.