تقديم المترجم: هنا دراسة مهمة بقلم الباحث مايكل فاركوار، أستاذ مساعد في العلوم السياسية، جامعة لندن. ونشرت الدراسة في مارس 2016. وهي مقتبسة من أطروحته للدكتوراه عن التعليم الديني في السعودية. وسوف نختصر اسم الجامعة الإسلامية بالمدينة ليصبح «جاسمد» في الورقة:
وكأمثلة على تنوع الشخصيات السلفية الأجنبية المتخرجة من جاسمد، نجد الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، الذي يعد الأب المؤسس للسلفية المعاصرة في اليمن والذي سلك مساراً متأرجحاً بين سلفية هادئة من جهة وبين سلفية متشددة في قضايا سياسية رئيسة، من جهة أخرى؛ وجعفر محمود آدم ومحمد ساني عمر، اللذين برزا في ابتكار أشكال جديدة لمكافحة الصوفية في شمال نيجيريا بعد عودتهما إلى وطنهما؛ (33) والمصري الشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق، الذي استقر لاحقاً في الكويت وقام بجهود مؤثرة عبر دمج العقيدة السلفية مع فكر وحركيَّة جماعة الإخوان المسلمين السياسية ما أدى لبزوغ ما يمكن أن يوصف بـ«السلفية السياسية»؛ وكذلك بلال فيليبس، وهو جامايكي اعتنق الإسلام وأصبح الآن خطيباً بارزاً. وهناك آخرون من أصحاب العلاقة غير الرسمية مع جاسمد
وعمل بعض خريجي جاسمد لدى دار الإفتاء السعودية للقيام بعمل خارج المملكة العربية السعودية. وأدى آخرون أدواراً رائدة في مبادرات دولية مستقلة مثل البنجلاديشي توفيق شودري من معهد الكوثر، والكندي محمد الشريف وأمريكي المولد والمغربي ياسر القاضي ، وآخرون كثيرون لا يشاركون دائماً في أنشطة وعظ منسقة؛ بل يقومون بالدعوة عبر عملهم اليومي في بلدانهم الأصلية أو في أيّ مكان آخر.
التبادل العالمي والهيمنة
وتأسيس أول منهج تربية أكاديمي سلفي
وسنتناول في بقية الورقة، في المقام الأول، طرق التدريس في جاسمد ومحتواها مع التركيز تركيزا خاصا على مجالين: العقيدة والفقه. ومن خلال استكشاف البيداغوجيا (علم أصول التربية والتدريس) السلفية، أسعى إلى استخلاص بعض الديناميات الأوسع التي ربما تساعد في تفسير نجاح جاسمد في جذب أعداد كبيرة من الطلاب وإقناعهم بمشروعها ... إن نجاح الجامعة، عندما نقيسه بهذا المعيار (عدد الطلاب والإقناع بالمهمة)، يعدّ في حد ذاته لغزاً تجريبياً؛ فالمحاولات السابقة للتواصل مع ما وراء شبه الجزيرة العربية واجهت قدرا كبيرا من المقاومة من القرن الثامن عشر حتى القرن العشرين. (35) أكثر من ذلك، فقد كانت المؤسسة الدينية السعودية تعمل بكيفية منغلقة نسبياً لمعظم النصف الأول من القرن العشرين. ولم يحدث احتكاك رسمي مع علماء المسلمين من خارج الجزيرة إلا في وقت متأخر من عام 1954، عندما ترأس محمد بن إبراهيم، المفتي المعين حديثا وقتها، أول قمة إسلامية دولية رسمية رفيعة المستوى مع علماء مسلمين من خارج المملكة، أي قبيل سنوات قليلة من افتتاح جاسمد. (36) وهكذا، لم يكن من الواضح عند تأسيس جاسمد كيف يمكن لمؤسسة تعليمية ..، يقودها رجال دين نجديون كانوا حتى وقت متأخر معزولين ومهمشين عالميا، أن تحقق أية درجة من النجاح.
وقد تطرقنا آنفاً للعديد من العوامل التي قد تساعد في تفسير قدرة جاسمد على استقدام وإقامة روابط مع أعداد واسعة من الطلاب من خلفيات متنوعة، بما في ذلك تقديم منحة مجانية سخية للغاية وأدلة تشير إلى إستراتيجية التوظيف والاستقدام الأولية ... وفي المناقشة التالية، سنحدد عوامل مختلفة أخرى مع اهتمام خاص بالدور الذي قامت به ما أسميناها دينامية التبادل غير المتكافئ. فكما أوضحت في مقدمة هذه الورقة، نستخدم المصطلح الأخير (دينامية التبادل غير المتكافئ) لنشير إلى قدرة الجامعة نفسها على القيام بتحولات عبر عملية «الاشتباك الحواري» (*) مع فاعلين من جميع أنحاء العالم، مع الحفاظ على العناصر الأساس لهويتها. وسأقترح أن هذه الدينامية أدت دوراً في الجهود المبذولة لتأسيس مشروع قادر على التعبير عن مواقف وطموحات مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة.
إن المجادلة بأن جاسمد تشكلت عبر عمليات «اشْتِباك حواري» لا يعني أن قالبها قد وُضع عبر نقاش مفتوح واتفاق بين مجموعة لاعبين سعوديين وغير سعوديين بشكل متكافئ. فمن الواضح أنه، منذ البداية، كان هناك عدم توازن في القوى بين الجامعة وبين طلابها، وخاصة من حيث إن مؤسسي جاسمد كانوا يملكون رأس مال رمزيا هائلا ينبع من كون الدراسة الدينية ستتم في مدينة الرسول؛ فقد كان يمكن للطلاب الاجتماع في المسجد النبوي للصلاة أو الدراسة أو النقاش أو التواصل الاجتماعي، وليس هناك شك في أن إغراء تلك البقعة الجغرافية المقدسة كان قوياً جدا. كما كانت العلاقة بين الجامعة وبين طلابها تعاني خللا كبيرا في توزيع رأس المال المادي؛ فقد كان لقدرة مؤسسي جاسمد على تقديم منحة مالية سخية جداً لتعليم ديني جامعي ، تشمل الدراسة والسفر والسكن والمعيشة ومرتب شهري للمصروفات الشخصية، دور كبير في وضع شروط علاقة الرئيس-المرؤوس. واختلفت القيمة الحقيقية لهذا الدعم، عبر الوقت؛ ولكن على الأقل في بعض المراحل من تاريخ جاسمد كان الدعم المالي المقدم سخياً للغاية، وبدرجة مكّنت بعض الطلاب من البلدان النامية من توفير جزء من مدفوعات الصيانة لتغطية تكاليف بناء منازل في أوطانهم. واستخدم آخرون هذه الأموال وتوفر تذاكر رحلات مجانية خلال العطلة الصيفية لأخذ إجازة للقيام بمغامرات على شكل رحلات لرؤية العالم. (37)
... ... ...
هوامش المترجم:
(*) كما شرحنا، آنفاً، يمكن تفسير عملية «الاشْتِباك الحواري» بأنها نوع من تبادل الآراء عبر »عملية تأثير وتأثر«. ونعني تأثير الأساتذة والطلاب على جاسمد، وفي الوقت نفسه تأثر الأساتذة والطلاب بجاسمد بهدف الوصول إلى تسويات تحقق أهداف الطرفين. (العيسى).
يتبع
** **
ترجمة وتعليق: د. حمد العيسى
hamad.aleisa@gmail.com