د.عبد العزيز الصقعبي
سبق أن تحدثت عن مواقع التواصل الاجتماعي وأن بعضها بالذات تويتر و الفيسبوك أصبحت مثل الديوانيات الكبيرة، الكل يتحدث، والكل يناقش، رجال ونساء، وكل واحد منهم يطرح رأيه تجاه أمر ما. بعض هذه الآراء قد تكون حادة، أو قد تفسر بما لم يقصده المغرّد، ويبدأ التعليق والتعقيب، ويتم نشر تاريخ ذلك المغرد وهفواته، بالطبع الهفوات، هي ما غرد به في أزمان سابقة، والتقنية الحديثة تساعد للأسف على «النبش»، حينها يتحول الجدل إلى أمور شخصية، ويخرج عن مساره الذي قد يفيد من يتابع النقاش.
نحن نعرف أن مواقع التواصل ليست صحف أو مجلات إلكترونية تنشر فيها المقالات والدراسات، ويطرح فيها الآراء المدعومة بالأمثلة، بل على اسمها قنوات للتواصل، من خلال سلام أو خبر قصير أو تعليق أو مقطع لأحد المشاهير، أو بيت أو بيتين لشاعر، مع رأي قصير ومختصر ومركز، وهذا الرأي وغيره من الآراء ليست ملزمة، ولا تمثل تياراً فكرياً أو نسقاً يعتمد على حقائق، بل رأي عابر، ربما يكون مفيداً، أو قد يعري قائله «وهذا ما يحدث أحياناً للأسف»، يجب ألا تتجاوز مواقع التواصل هذا الأمر.
الملاحظ في الوقت الراهن وفي تلك المواقع، طرح بعض القضايا الفكرية والأدبية للنقاش، وبكل تأكيد تتعدد الآراء، وتكثر المداخلات، قد يكون بعضها صائباً، وقد يكون بعضها مفيداً، ولكن بكل تأكيد تكون مجرد أحاديث عابرة، وأعتقد لن تبقى، وتوثق وتتحول إلى كتب، بل مجرد كلمات تحفظ مع مليارات الكلمات في ذلك الفضاء الكبير.
في زمن الرواد كان هنالك جدل ونقاشات، قد يكون بعضها حاداً، ذلك الجدل والحوار يدخل ضمن دائرة المعارك الأدبية، هذه المعارك قدمت لقراء تلك الحقبة كثيراً من المعلومات والحقائق، وشجعت على وجود حراك ثقافي، وازدهرت الصحف بتلك الحوارات، وكانت تلك المعارك تحدث بين أدباء، ويكون هنالك بعض المريدين أو المناوئين، ولكن أغلب أولئك لا يدخلون بذلك الجدل والنقاش، بل يتابعون و يتحدثون في مجالسهم و ديوانياتهم الحقيقية ومقاهيهم حيث يجتمعون، وينتظرون بشغف صدور الصحف لقراءة ما كتبه الأديب (أ) ورد الأديب (ب)، وبالطبع أسماء هؤلاء الأدباء تكرست لدى الجميع، وأصبحوا نجوماً في سماء الثقافة.
في زمننا هذا ومع التقنية الحديثة أصبح «كلٌّ يدلي بدلوه» بغض النظر لديه الثقافة والمعرفة، أم لا، المهم يشارك في الجدل، بالذات إذا وضع تحت «وسم» ليضمن أن رأيه سيقرأه شريحة كبيرة من متصفحي موقع التواصل، وبالطبع في هذا الجدل يختفي صاحب الرأي الرئيس الذي أنشأ الوسم، أو طرح الرأي، وهنا يجب أن أتوقف لأقول، هنالك آراء كثيرة و «وسوم» متعددة في تويتر، لا تحتاج إلى معرفة وثقافة متخصصة، بل آراء عن السياسة والاقتصاد والشأن العام، تطرح في الديوانية الإلكترونية، ويشارك فيها الجميع، وهذه مشاعة وجميل أن يشارك فيها الجميع، ولكن عندما يتوقف الأمر إلى قضية تحتاج إلى تخصص، وتمكن معرفي، فهنا لا يصلح الحوار والجدل حولها، الأمر ينطبق أيضاً في الشأن الأدبي، النقدي، حين يدور الجدل كمثال حول « الإبداع الشعري لدى المرأة» ومن المصادفة رأيت هذا النقاش حولها منذ أيام، و أنا هنا لن أطرح رأياً حول ذلك بل هذه مهمة النقاد ودارسي الأدب، وهنا أتساءل هل مثل هذا يصلح للجدل حوله في قنوات التواصل الحديثة، بالذات حين تكون المساحة محصورة بعدد معين من الأحرف، وتعتمد على الارتجال المباشر في الرد والتعليق، يبقى أن الجدل سيكون غير مثري، بالذات إذا غاب ذوي الاختصاص.