د. جاسر الحربش
أرجو أن يكون الهدف من مشاركة العالم في مسيرته الحضارية ترطيب العقول الصحراوية الناشفة وليس تنعيم الجلود الصحراوية الخشنة. بناءً على آراء العلوم الطبية والنفسية الاجتماعية يبدو أن الجفاف الصحراوي لا يسبب خشونة خارجية فقط، بل وداخلية كذلك.
عمل الهواء والرمل على الجلد له ما يشبهه من التجفيف الاجتماعي على العقل وأولويات استعماله الفكرية. الجلد في تركيبه الخلوي والدموي والعصبي هو الجلد من ناحية المبدأ البيولوجي، سواء في الغابة السوداء أو في نفود الدهناء، لكن خصوصيات المقاومة النوعية للجفاف بالتحرشف وللحرارة بالتقرشف تختلف، وتلك ميزة يستحسن لمن موطنه في الصحاري الاحتفاظ بها قدر الإمكان لأنه لن يجد وطناً آخر.
لكن ماذا عن العقل الذي جف بسبب العزلة والتوحد بين الكثبان والشموس والنجوم وتعود على التعبير عن مكنوناته بالاستيحاش من الجديد وبالحداء المنفرد لكسر الرتابة وبنظم درر القصائد لمناجاة الفراغ، ولكن للأسف دون إضافات فكرية تجديدية تحول المادة الصحراوية الغنية بالثروات في باطنها إلى مصدر استقرار ونماء وعلوم وقوة.
من أشد الظواهر الإنسانية إثارة للتساؤل يجب أن تكون كيف احتاج أهل الثروات الكامنة في صحاريهم إلى عقول أصحاب الأنهار والغابات والثلوج لاستخراج كنوزهم ومشاركة أصحابها في النصيب الأكبر من العوائد؟ الإجابة سهلة لأنها واضحة. أصحاب الجلود الصحراوية الجافة استفادوا من هذه الميزة البيولوجية للبقاء على قيد الحياة فقط، لكنهم احتاجوا إلى أفكار أصحاب العقول الطرية الرطبة ليحسنوا لهم ظروف الحياة لاستخراج كوامن صحاريهم وجبالهم.
هكذا نستطيع الاستدلال على منطلقين حيويين لطرق التجديد التي تحتاجها البيئات الصحراوية :
أولاً فتح كل مسام الأدمغة لمعالجتها بمرطبات الفصول الأربعة الفكرية والإبداعية من الشرق والغرب والشمال والجنوب، ليختفي الجفاف والتحرشف من العقول.
ثانياً : الاحتفاظ بخصوصيات التحرشف والتقرشف البدنية، لأن التقدم العلمي ومخرجاته تحسن ظروف العيش لكنها لا تستطيع تغيير الطقس والمناخ.
أيها المواطنون في صحاري الله الواسعة ارطوطبوا واستنعموا عقلياً ولكن اخشوشنوا وتقشفوا بيولوجياً. استمتعوا من أنواع الترفيه بما هو مفصل على قياس رقصاتكم وأغانيكم وقصائدكم وأهازيجكم، وحينئذ سوف يحترمكم العالم ويندهش منكم ويرقص على نغماتكم.