محمد آل الشيخ
التطرف والغلو ظاهرة من الظواهر الإنسانية، التي عرفها الإنسان منذ بدء الخليقة، لكن مثل هذه القضايا تختلف بين مجتمع وآخر نتيجة لعوامل كثيرة، لا يتسع لها المجال هنا. أهم أسباب ارتفاع نسبة التطرف والغلو تعود إلى الجهل وغياب العقل أو تغييبه؛ بمعنى أن المجتمعات المتعلمة أكثر، والمنفتحة أكثر، هي الأقل في نسبة المتطرفين فيها، والعكس صحيح إلى حد كبير. كما أن التطرف والانغلاق والميل إلى الحدة والنزق، تكون أيضًا أكثر في معدلاتها النسبية عندما تكون هذه المجتمعات خارجة من إحباط جماعي، أو فشل جمعي، أو هزيمة، فيلجأ الأفراد إلى التطرف والغلو والتشدد، لأنه -ربما- يجد فيه انتصارًا لذاته المكلومة والمهزومة أو الفاشلة.
وكثيرًا ما أواجه في نقاشاتي مع بعض الأصدقاء التأكيد على أن في الغرب -أيضًا- تطرفًا، وهذا صحيح, وأن ما نراه في مجتمعاتنا من تطرف، هو نتيجة للقانون الفيزيائي الذي يقول: إن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار معاكس له في الاتجاه. ربما تقبل ذلك التبرير في الوهلة الأولى، لكنك بمجرد أن تمعن النظر قليلا، ستجد بوضوح أن انتشار التطرف في الغرب أقل وبكثير من انتشاره في مناطقنا، لتجد أن الفارق هنا يفرض نفسه في نهاية المطاف. والسبب في هذا البون الشاسع بين ضآلة عدد المتطرفين في الغرب وارتفاع عدد المتطرفين في منطقتنا، يعود إلى أن غالبيتهم تحكم ردة أفعالهم العقلانية، بينما تحكم ردود أفعالنا العواطف الجياشة؛ لذلك تجد في الغرب -مثلا- المتطرفين لا تزيد نسبهم عن نسب قليلة تتراوح بين العشرين في المائة والخمسة وعشرين في المائة على أكثر تقدير، في حين أن المتطرفين في منطقتنا، إسلاميين أو غير إسلاميين، هم العدد الأكثر والأعلى صوتًا؛ خذ مصر -مثلاً- عندما فاز المتأسلمون بُعيد ثورة يناير، تجد أنهم فازوا في الانتخابات، وسيطروا على البرلمان، ليس لأنهم يطرحون برنامجًا سياسيًّا أو اقتصاديًّا أفضل، وإنما لأنهم خاطبوا عواطف الجماهير وحركوا فيهم عواطفهم الجياشة وهويتهم الموروثة، والأمر ذاته انطبق وإن بدرجة أقل في تونس، فأغلب التونسيين اليوم يعضون أصابع الندم على (ثورتهم) التي انتهت بهم إلى وضع اقتصادي وسياسي بائس.
وليس صحيحًا أن التعليم بشكل عام هو السبيل إلى محاربة التخلف، وبالتالي الغلو والتعصب؛ التعليم في رأيي سلاح ذو حدين، فقد يكون فعلاً سلاحًا إذا كان حياديًّا وموضوعيًّا، لا يُنبه أيديولوجيات متطرفة، ولكنه قد يكون سببًا رئيسًا للتطرف إذا أشرف عليه ووجهه متطرفون، كالمتأسلمين بجميع فرقهم، ولنا في الثلاثين سنة التي مضت في المملكة، وتحديدًا منذ مطلع الثمانينات، أدق مثال لما أقول. فالصحوة القميئة التي (شلّت) مجتمعنا تنمويًّا لأكثر من ثلاثة عقود، كان سببها الأول أن التعليم استلمه أو بلغة أدق أشرف عليه ووجهه متأسلمون مسيسون، فكانت النتيحة تلك العاصفة المدمرة من الإرهاب والإرهابيين. وما من أمة سيطر عليها التطرف، وتحكم فيها الغلو، واكتنف أفرادها التعصب، إلا وجعلها في نهاية الركب الحضاري بين الأمم.
بقي أن أقول: هناك أيضا دولتان من دول المنطقة، ترى من مصلحتها إبقاء جذوة التطرف والغلو مشتعلة لا تنطفئ، وهما أولا إيران، وثانيًا تركيا، فمن خلال التطرف والمتطرفين، تستطيع هاتان الدولتان تمزيق اللحمة الوطنية، وبالتالي مد نفوذها وسلطتها وتسلطها إلى داخل الدول العربية، والسيطرة عليها، وإن كانت إسرائيل تدخل ضمن هذه المعادلة، إلا أنها بدرجة أقل.
إلى اللقاء