د. صيتة بنت فهد الغبين
كل شيء حقيقي يعيش في غربة!
نستحضر الأشياء الزائفة من حولنا نتحرى حقيقتها
تضيق الأشياء والنفوس من حولنا وتبدو العوالم الواهية الواهمة وكأنها أشباح ارتياب تقلل من قيمة مصداقيتنا
نرسم بشكل عشوائي ذواتنا على ورق شفاف تنعكس أرواحنا الموغلة في بساطتها من خلاله
نحن الحقيقيون، الحقيقيون جداً لا نتقن ارتداء وجوه خزفية
نحن الذين نتوه في الطرقات الزائفة المصطنعة لا نخاف
نتوحد مع أشيائنا الأصيلة بقوة تخلق لنا سماء ثامنة نفرد فيها أجنحتنا ونحلق
نتحرر من سطوة الأدوار المنتقاة.
نرسم على سقف سمائنا كل الثواني التي مرت في صخب، كل ضحكة وبسمة ودمعة ولحظة ضاعت ونحن نحاول أن نختبر حقية عدم زيفنا
نحن الذين لا يربكنا صخب العالم من حولنا واللاإدراك واللافهم لأن تكون حقيقياً
تضرب جذورنا عمق الثبات.
نفك نسيج الأكذوبات المغزولة من حولنا الطاعنة في زيفها
نستمع للحن منسكب, لجذوة بعيدة، لقصيدة مبتورة القافية، لهدير صاخب يرقص بجنون في دواخلنا يخبرنا بأن الأرض يملؤها الأنقياء حتى وإن كانوا مجرد رفات
مهووسون بغواية البياض نتنفسها لنخفف من وطأة الظلام القاتم
نلامس كل الأنوار الهاربة من خسوف الكذب، الفاره إلى صدورنا
نحن الذين تمتلك ذاكرتنا اللعينة بعداً رابعاً لشخوص حقيقية لم يهشم حديدهم كثرة الطرق
نحن القادرون على أن نتحمل صدقنا دون أن ننهزم أو ننكسر أو ننسحب من مسرح الحياة حتى وإن احترقت أرواحنا، فهنالك تظل بقع معافاة فينا لم تمسها نارهم.
نحن الأنقياء، البسطاء، العفويون، الذي يكسونا البياض
نحن الشجعان الذين لم نمرق من أحلامنا ولم نخذلها وإن شوهوها
يوذينا ذاك النزق الموغل في صفاقته، ولكن ذلك الحنين الذي يقتاتنا إلى أرض صلبة نقف عليها مزهوين بقدرتنا على المضي دون أن ننحي، دون أن نكسر قاماتنا، دون أن ننكس رايات يقيننا بأننا سنكون هنا هو من يجعلنا ننتصر وأن وقفنا عراة بلا أسلحة سوى الأحلام التي تمنعهم من أن يقتحموا عالمنا دون استئذان.
يخرجون من قوقعتهم التي يخبئون بها أرواحهم المهزومة ليهربوا من طلائع المنهزمين ويمدوا بقلم من رصاص قاماتهم لتكون مفرطة الطول، قاماتهم التي تلتوي وتتقاصر كلما رفعنا رؤسنا للأعلى وأمسكنا بأستار السماء لترفعنا عن دناءة نفوسهم، ومضينا بأنفسنا، بأفكارنا، بقامتنا الشامخه الفارهة نطرق المستقبل الذي يسبقنا
تنكسر أمامنا كل نصال الزيف السوداء أمام هذا البياض الذي يلفنا..!
نحن الذين نصنع في غربة حقيقتنا وطن شائك لا يقترب منه المزيفون..!
سنبقى حقيقون، وسيبقى الطين الحقيقي الذي خلقنا منه يكسو بشراتنا
وسنزداد صلابة ونميط اللثام عن إرادتنا نخيلاً ثابتاً يقف بوقار ضارباً جذوره في الأرض
نحن الذين لا ننهزم سنظل هنا تتقامز كل الأشياء من حولنا ونبقى شامخين.. سنبقى هنا!