د.عبدالله مناع
في حديث جانبي.. مع أحد أصحاب دور النشر العربية الكبرى المشاركة.. كنت أسأله: عن (واقع) الكتاب «الورقي».. ومعاناته التي يتحدثون عنها في مواجهة الكتاب الإلكتروني!! وهل هي «حقيقة» أم «شائعة»؟ وضرب من المخاوف أمام هذا الوافد الإلكتروني الجديد؟ فقال بمعرفته وخبرته الطويلة: بداية ظهر بعض التأثير على (الكتاب الورقي)، الذي ربما بالغنا - كناشرين - في تصور «حجمه»...! لكن سرعان ما استرد الكتاب الورقي مكانته.. وإن بقي تأثير الكتاب الإلكتروني على «الورقي» في «اللغات» الأخرى كـ«الإنجليزية» و»الفرنسية» و»الألمانية» و»الإسبانية».. أكثر وضوحًا وربما حدة!! لتسعدني إجابته، وتجعل من زيارتي الثانية لـ(المعرض).. أكثر بهجة، وهي تعيد إلي حماسة الكتابة عن سلبيات معرض جدة الدولي للكتاب.. في دورته «الرابعة».. لأذكر المسؤولين والمعنيين بها لـ(تفاديها)...!؟ قبل أن يحل موعد الدورة (الخامسة) الحاسمة في شهر ديسمبر المقبل من عام 2019م، التي سيتقرر معها: استمرار المعرض وبقائه كجزء من (أجندة) المعارض الدولية لـ(الكتاب) في المملكة أو الاكتفاء بسنواته الخمس السابقة؟! وفقًا لـ(المرسوم) السابق الذي صدر عند بداية دورته الأولى بـ(جدة) في شهر ديسمبر من عام 2015م.. بـ(الاستمرار) إذا نجح.. وبـ(إيقافه) إن فشل...!
ولكن.. وقبل الشروع في استرجاع سلبيات المعارض الأربعة السابقة إجمالاً.. لـ(التذكير) بها.. وتلافيها - قبل المعرض في دورته الخامسة المقبلة- تسربت أخبار بيضاء.. عن استمرار معرض جدة الدولي لـ(الكتاب) بعد سنته الخامسة المقبلة؟ وهي أخبار فيها من (الواقعية) ما يحمل على تصديقها.. فـ(المملكة) من حيث المساحة الجغرافية هي واحدة من الدول العربية ذات الطبيعة (القارية) التي تحتاج معها لأكثر من معرض دولي للكتاب.. وليس الاكتفاء بمعرض دولي -واحد - للكتاب فيها! بل هي تحتاج إلى معرض دولي (ثالث) لـ(الكتاب) في المنطقة الشرقية منها.. خدمة لمثقفيها وسكانها والقريبين منها شمالاً وجنوبًا، يضاف إلى ذلك قدرتها (الاقتصادية).. كواحدة من أقوى الدول العربية اقتصاديًا.. وهو ما يعنى أن القدرة الشرائية عند مواطنيها.. تظل هي الأعلى ربما بين الدول العربية قاطبة!!
على.. أن هذه الأخبار المبهجة التي كان يتداولها بعض الناشرين العرب في الأيام الأخيرة من أيام المعرض في دورته (الرابعة) - إن صحت!! وهو ما يرجوه ويتطلع إليه أبناء المنطقة الغربية وسكانها أصحاب التاريخ الثقافي والمعرفي الأسبق والأكبر بين مناطق المملكة.. لا يصح لها أن تحملنا على التجاوز عن بحث ملف سلبيات المعارض الأربع السابقة.. حتى تتكامل خدماته في دورته الخامسة وما بعدها من دورات، ليصبح (معرض جدة الدولي للكتاب) في النهاية: مهرجانًا سنويًا.. للثقافة والمعرفة والفنون والآداب.. وكما يحلم أبناء جدة وسكانها.. يتجه إليه أبناء وسكان الساحل الغربي على امتداده: شمالاً وجنوبًا.. كل عام...؟!
* * *
ربما يتصدر ملف سلبيات معرض جدة الدولي لـ(الكتاب) عمومًا.. أمران: «الموقع» النائي عن (جدة) بأربعين كيلاً.. مع عدم وجود مواصلات عامة أو (ترددية) مؤقتة.. يعتمد عليها العارضون من الناشرين والزائرين للمعرض ممن لا يملكون (سيارات) خاصة بهم، فهذا الموقع رغم جمال إطلالته على شاطئ أبحر الجنوبية.. والمسمى بـ(أرض الفعاليات) عند محافظة جدة أو أمانة جدة.. لم يتم تخطيطه - فيما يبدو- معماريًا بتلك الصورة التي تؤهله لأن يكون موقعًا لـ(معرض جدة الدولي للكتاب).. بـ(مكانتها) وسمعتها الجمالية التي يعرفها القاصي والداني كما يقولون، فـ(الخيمة) التي اعتمدتها الشركة المنفذة.. التي أصبحت تقيمها وتزيلها كل عام، ليعرض الناشرون في داخلها كتبهم وموسوعاتهم وأطالسهم.
لقد شكل «الموقع» و»الخيمة» معًا.. أكبر مفاجأتين للناشرين الذين قدموا للمشاركة في «المعرض» عربيًا ودوليًا.. في دورته الأولى، وهم لا يصدقون ألا تحتوي «جدة» بـ(مكانتها) التجارية مركزًا لـ(المعارض) يلبي احتياجات إقامة معرض دولي لـ(الكتاب) فيها...؟! لتتلقفهم المفاجأة «الثالثة» في تلك الأسعار الباهظة التي وضعتها الشركة المنفذة لـ(تأجير) المتر الواحد بـ(مائتي دولار) في تلك الخيمة.. وذلك الموقع النائي!! ولكن يبدو أن (الشركة المنفذة).. أخذتها من قصيرها - كما يقولون - واعتمدت ذات السعر الإيجاري الذي يضعه معرض الرياض الدولي للكتاب.. دون أن تضع في اعتبارها الفارق بين (الموقعين): النائي في جدة.. والمأهول في الرياض، والمبنى هندسيًا ليكون معرضًا للكتاب في الرياض.. و»الخيمة» الشراعية التي يتكدس فيها الناشرون والزائرون في جدة!! أما السلبية الرابعة.. فهي في استمرار غياب اللوحات الإرشادته عن شوارع وميادين (جدة).. التي تدل المقبلين - من خارجها - على موقع أرض الفعاليات.. وخيمة المعرض!
ومع هذه السلبيات.. إلا أن «المعرض» كان في دورته الأولى هو الأنجح اعتمادًا على سمعة جدة - بمقياس إعداد دور النشر المشاركة.. وإعداد الزائرين اليوميين للمعرض، وأحجام مبيعاتهم النهائية.. التي تحققت.. التي كانت هي الأعلى في دوراته الأربعة السابقة إجمالاً...!
* * *
أما المعرض في دورته الرابعة.. فقد كان أعظم ما فيه -بالنسبة للناشرين- هو تعديل موعده من الخامس عشر من ديسمبر إلى الخامس والعشرين منه.. إلى جانب غياب من يسمون أنفسهم بـ(المحتسبين) وعنعناتهم، فلم يظهر أحد منهم طوال أيام المعرض العشرة.. فأرتاحوا وأراحوا!!.. إلا أن (التراجع) عن الخدمات الأساسية التي قدمها المعرض في دورته الأولى.. ظل أساسيًا!! فقد اختفت أو كادت أن تختفي عربات (التروللي).. التي يستخدمها الزائرون في نقل مقتنياتهم من الكتب.. والتنقل بها بين مواقع دور النشر - في داخل الخيمة - وصولاً إلى بوابة الخروج، ليعود الزائرون إلى التعثر في أكياس الكتب - البلاستيكية - التي يضعون فيها مشترياتهم من الكتب.. في تلك الممرات الطويلة والمرهقة.. خاصة لكبار السن!! كما اختفى (مركز البريد).. الذي ظهر في الدورات الثلاث الأولى، الذي يعتمد عليه زائرو المعرض في إرسال مشترياتهم من الكتب.. لأصدقائهم في مكة أو المدينة المنورة أو الطائف أو غيرها.. وهو ما أثر بالتالي سلبًا على إجمالي أحجام المبيعات بالنسبة للناشرين، كما اختفت في فعالياته المصاحبة: العروض السينمائية والمسرحية التي ظهرت في الدورة الثالثة، التي طالبنا يتوسعها.. وإضافة الفنون التراثية الشعبية إليها: كـ(الصهبا) و(المجرور) الطائفي.. كما اختفت دعوة (ضيف شرف) جديد للمعرض في دورته الرابعة.. أما بقية مجريات المعرض الرابع لـ(الكتاب) فقد أخذت تراوح مكانها بما فيها أسعار المطاعم والمقاهي، ليبقى التزام أحد أشهر مطاعم جدة.. بأسعاره وكما هي في داخل جدة دون زيادة ريال واحد عليها.. موضع التقدير والعرفان من أهالي جدة وسكانها لهذا الدعم التطوعي الذي قام به هذا (المطعم) وأصحابه.
* * *
فإذا كان قدر «جدة» ان يُقام معرضها الدولي للكتاب داخل (خيمة).. إلى أن يتحرك رجال الأعمال فيها -وما أكثرهم- للنهوض بـ(مسؤولية) بناء معرض صخم لـ(الكتاب) وغيره فيها.. أو أن تدعو أمانتها مستثمرين من الداخل أو الخارج لإقامة ذلك المعرض للكتاب وغيره.. فإنه ليس قدرًا أن يكون سعر المتر الواحد الإيجاري -مائتي دولار- للمتر الواحد!!
لقد صرف ذلك الإيجار كثيرًا من الناشرين عن تكرار عودتهم إلى المعرض الثاني والثالث رغم رغبتهم وحرصهم على ذلك.. وأخذت تنخفض معدلاتهم من سبعمائة دار نشر في المعرض الأول.. إلى الأربعمائة دار نشر عربية ودولية ومحلية.. في المعرض السابق!!