د. جاسر الحربش
الصحة في مكان ما بين طاعة إنذارات الجسد وعصيان إغراءاته. زوَّد الخالق جسد الكائن الحي بآليات متكاملة تنذره من الأخطار مقابل آليات أخرى من الآليات تقرِّبه منها، والحديث هنا ليس عن المتضادات الغرائزية وإنما عن المادية المتعلقة بما ينفع الجسد نفسه أو يضره.
لتسهيل الفهم فكِّر في استجابات جسدك تجاه الشمس والظل، الحركة والارتخاء، الشبع والجوع، الحلو والمر، المالح والسامج، الدسم والحاف. اسأل نفسك وكل من تعرف ماذا يفضل من كل واحد مقابل نقيضه. سوف تجد نفسك وكل الآخرين تفضلون الظل والارتخاء والشبع والطعم الحلو والمالح والدسم.
بالمقاييس الطبية لا شك أن التوسط بين النقيضين هو الأفضل، ولكن الاقتراب الجسدي أكثر من الشمس والحركة والجوع والطعم المر والسامج والطعام الحاف أفضل من الاقتراب أكثر نحو الظل والارتخاء والشبع والحلو والمالح والدسم. يوجد صراع مصيري جسدي بين الضار اللذيذ والمفيد الأقل استثارة للذة والاستمتاع.
من بين هذه الجزئيات سوف أركز على ثلاث هي الشبع مقابل الجوع والشمس مقابل الظل والحلو مقابل المر، لأنها من صميم المشاكل الصحية التي تفتك بالمجتمعات الحديثة التي توافرت لها إمكانيات الشبع والاسترخاء ولكن مع الجهل بشروط الصحة وحاجات الجسد. مرض السكر وتشحم الكبد وضيق الشرايين وارتفاع ضغط الدم وهشاشة العظام وارتخاء العضلات والمفاصل تشكل على الأقل ثلاثة أرباع المشاكل الصحية في المجتمع السعودي (وهو الذي يهمنا أمره)، وتبتلع على الأقل ثلاثة أرباع التكاليف المالية على الرعاية الصحية وعلى الفاقد من ساعات الغياب عن العمل.
ثلث لشرابك وثلث لطعامك ولثلث لنفسك، والنهار معاش والليل لباس، والعافية في أطراف الجوع (لا في أقصى ولا في طرف الشبع)، ولا لذة للراحة إلا بعد التعب، هذه قواعد شرعية واجتماعية للصحة وهي بالضبط الحدود الطبية الفاصلة بين طاعة إنذارات الجسد مقابل الخضوع لإغراءاته.
إنها معروفة للخاصة والعامة ولكن كما يقول المثل : الحكي واجد والصامل قليل، والظاهر أن الكسول الأكول لن يفيد معه سوى نظام مراقبة وعقوبات كذلك المطبق في ساهر، أو الربط بين حق المشاركة في الترفيه والرشاقة البدنية.