أ.د.عثمان بن صالح العامر
أذكر أنني في دراستي لنيل درجة الماجستير كنت أقرأ في كتب عالم مصري متخصص، وسألت عنه كثيراً حتى وصلت إلى أنه أحيل للتقاعد منذ ما يزيد على الخمسة عشر عاماً ولكن له مكتب في جامعة القاهرة يأتي إليه كل يوم اثنين يلتقي به الطلاب الذين يشرف عليهم في دراساتهم العليا، وراغبي الاستفادة منه ومحبيه وفريقه البحثي المرافق له طوال هذه السنوات.
وبالفعل ذهبت إلى هناك وانتظرته حتى جاء وهو بالكاد يستطيع المشي وصولاً لمكتبه، وما أن سلمت عليه وعرفته بنفسي وبينت له سبب اللقاء به حتى رحب واسترسل في الحديث عن المسألة التي أشكلت علي بعد أن سألته عنها.
بعد أن خرجنا من عنده سألت الزميل الذي كان يرافقني من أساتذة الجامعة عن وضع الأكاديميين المتقاعدين المبرزين أمثال صاحبنا هذا، ما الدور المنوط بهم، وكيف يكافئون، وما علاقتهم بالجامعة؟ فقال لي: أمثال البروفيسور... لا يسند لهم نصاب تدريسي، ولكن يفرغون للبحث العلمي لحساب الجامعة؛ ويحصلون مقابل ما يصدرون من كتب وأبحاث على مبالغ نقدية مجزية من قبل الجامعة، فضلاً عن أن إدارة الجامعة ممثلة بالقسم المختص تسند لهم الإشراف الأكاديمي على طلاب وطالبات درجة الدكتوراه خاصة، وأكثر إصدارات هؤلاء الأكاديميين التي تملأ السوق تكون عن طريق إملاء هذا البروفيسور ما في ذهنه من معلومات ومعارف على فريق بحثي مساند سواء أكانوا من طلابه أو معيدي القسم أو موظفي الجامعة، وهذا الفريق هو من يكتب المادة ويقوم بإعادة صياغتها صياغة علمية نهائية، ثم يقرؤها على هذا الأكاديمي المختص في صورتها الجديدة فيضيف ويحذف ويعدل ويبدل حتى يستقر الأمر ويكون الكتاب جاهزاً للطباعة والتداول، ومتى بيع يكون للجامعة نسبة من العائد المادي وللأستاذ نسبته المحددة بعد خصم التكاليف، ولذا لا تستغرب أن تجد خمسة مؤلفات لأكاديمي واحد في عام.
معالي وزير التعليم المبجل، أصحاب المعالي مديري جامعاتنا السعودية الموقرين: ما الذي يمنع الاستفادة من الأكاديميين المتقاعدين في مجال البحث العلمي بعيداً عن قاعة التدريس، إذ إن من بلغ سن التقاعد من الصعب عليه أن يعود للمحاضرات الطلابية من جديد بعد هذا العمر؟ لماذا لا يستعان بهؤلاء النخب الذين أفنوا أعمارهم بحثاً وتدريساً في احتواء المعيدين والمحاضرين ورسم طريق النجاح لهم في مشوارهم الأكاديمي الجديد؟ لماذا لا يسند لهم الإشراف على الرسائل العلمية والمناقشات الأكاديمية لراغبي نيل درجة الدكتوراه على وجه الخصوص؟ ما المانع من وجود كراسٍ بحثية لهم في مراكز أبحاث متخصصة تنشئها جامعاتنا السعودية، وتخصيص فرق علمية تحت إشرافهم ومتابعتهم يكتبون ما يملون سواء أكان هذا الفريق من المعيدين أو المتعاونين أو الموظفين أو حتى طلاب درجة البكالوريوس.
بهذا يتعزز لدينا البحث العلمي المتخصص، وتنشأ أجيال من الأكاديميين على يد هؤلاء الأساتذة المبرزين، ويكون للكتاب قيمته، وللجامعات مطبوعاتها المتميزة التي تضيف للمكتبة العربية الجديد والمفيد في جميع التخصصات الشرعية والعلمية والفكرية، ويتحقق لنا الوجود الفعلي في خارطة الكتاب العربي، والمنافسة الحقيقية في هذا المضمار النوعي بإذن الله، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.