فضل بن سعد البوعينين
سعت مجموعة العمل المالي (FATF) منذ إنشائها لفرض التشريعات والمعايير والتدابير القانونية والتنظيمية والتشغيلية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ومنذ إنشاء (FATF) والمملكة من أكثر الدول تعاونًا معها، وتطبيقًا لمتطلباتها، بغية الوصول إلى مرحلة العضوية الكاملة في المجموعة، وهي مرحلة تحتاج إلى كثير من العمل المنظم على جانبين مهمين، الأول مرتبط بالقطاع المالي والثاني مرتبط بالتشريعات القانونية المحققة للمتطلبات الدولية. وأحسب أن المملكة نجحت بالفعل في تحقيق جميع المتطلبات ذات العلاقة بنظامها المالي.
تُشير بعض الأخبار الصحفية المسربة بأن «الاتحاد الأوروبي أدرج السعودية إلى مسودة قائمة للدول التي تشكل خطرًا له بسبب تراخي السيطرة على تمويل الإرهاب وغسل الأموال». وهو إجراء يبدو غريبًا ومتناقضًا مع تأكيد مجموعة العمل المالي في بيانها الختامي في أكتوبر 2018 «استمرارها العمل مع المملكة العربية السعودية بغرض منحها العضوية الكاملة في المجموعة»، بعد إلتزامها بالاتفاقيات والمعايير الدولية.
لست مستغربًا من تحركات الاتحاد الأوربي ضد المملكة، واستغلالها تشريعات تمويل الإرهاب وغسل الأموال الدولية للإضرار بمصالحها؛ فدول الاتحاد الأوربي تتحرك وفق أجندات سياسية ومصالح ذاتية بعيدة كل البعد عن مصالح المجتمع الدولي، أو متطلبات الالتزام المالي. يمكن مشاهدة ذلك في علاقتها بإيران؛ أكثر الدول المصنفة على قوائم الإرهاب الدولي وتمويله وعمليات غسل الأموال المنظمة. علاقة الدول الأوربية بإيران واستماتتها للدفاع عنها، والتعامل المالي معها؛ تفضح مخططاتها وأهدافها البعيدة كل البعد عن معاير الالتزام المالي الدولية التي تتدثر بها. ومن جهة أخرى تحتل المصارف الأوربية المرتبة الأولى من حيث حجم الغرامات المالية التي أوقعتها عليها وزارة العدل الأميركية لأسباب مرتبطة بعمليات غسل الأموال والتعامل مع دول الإرهاب ومنها إيران؛ بل إن مصرف ABN-AMRO الهولندي تم الاستحواذ عليه ومنعه من السوق الأميركية لأسباب مرتبطة بقضايا غسل أموال منظمة.
مصرف HSBC البريطاني و «يو بي إس» السويسري كانا ضمن البنوك الأوربية التي فرضت عليها غرامات مالية تجاوزت 2.6 مليار دولار إضافة إلى بنك «بي إن بي باريبا» الفرنسي الذي فرضت عليه غرامة بـ 10 مليارات دولار. وعلى النقيض من ذلك لم يتعرض القطاع المصرفي السعودي لمثل تلك الغرامات والمخالفات المشينة.
بالرغم من أيماني التام بتسييس ملف تمويل الإرهاب وغسل الأموال؛ إلا أن الحكومة مطالبة بالتحوط في مواجهة تلك الإجراءات؛ لتأثيرها على مستوى القانون الدولي، والقطاعات المالية؛ وتدفق الاستثمارات الأجنبية. ومن أهم أدوات التحوط إنجاز التشريعات المعلقة -إن وجدتْ- وتسريع عملية الانضمام بعد استكمال كل المتطلبات، إضافة إلى التحرك السياسي الذي ستكون له قدرة على مواجهة التسييس. وأخيرًا إعطاء مؤسسة النقد دورًا أكبر في التصدر لقضايا القطاع المالي الدولية، ومعالجتها باستقلالية عن وزارة المالية، وتعزيز مكانتها وحضورها المستقل في الاجتماعات الدولية والمحلية؛ وبما يحقق أهداف الإصلاح الاقتصادي والمالي؛ ويمنع التداخلات ويعزز الاستقلالية.