د. خيرية السقاف
الهريرة الأليفة كما الصغير الغرِّ، يحلو لهما أن تستكينا إلى حجر حنونٍ، ومحضن أليف،
يسترخيان لكفِّ يمسِّد بلطف فرو رأسيهما، يستغرقان في النعيم..
الطفل يبكي حين تبعده كفان عن حجر أمه، وربما يعبّر بالرفض، أما الهرة فتنام، تستغرق، حتى إذا ما حاولت الكفان حملها بعيداً تحول لطفها لشراسة، إذ هي لا تملك لغة الكلام، ولا خاصة التعبير باللسان، بيد أن ملامحها، وأظفارها في هذه الحال لسانها، وصوتها..
صفة الاستحواذ هذه فيهما قد تكون تعبيراً عن المحبة، لكن في الغالب قد تنبع عن الشعور بالطمأنينة..
ما يربط بين الطفل، والهرة هو هذا الاستسلام التام لرغبة الهجوع في محضن الأمان، فطرة الإحساس..
في الوجه الآخر للصورة، الطفل الفاقد محضن الأم يجد بديله فيركن إليه، وحين لا يجد تضمحل روحه في جسده فينشأ مشرد الإحساس، فاقداً عناصر الأساس، مآله إما إلى قمَّة، وإما إلى هاوية، يصنع باروداً، أو يصنع مصباحاً، ينطفئ في عتمة العتمات أكثر، أو يتوهج في سحب الأنوار أقدر..
والهرة فماذا تفعل حين تلتقطها الأرصفة، وتلتهمها الطرقات، ولا تجد محضناً آمناً؟!
أما حينما تجده كما يجده الرضيع، فثمة غريزة تجمعهما للاستحواذ على هنيهات الحنو، وسكينة الطمأنينة، وإلا فالطفل يصرخ احتجاجاً، والهرة تهجم رفضاً..
كلاهما طفلان في حمى ذوي القلوب، ورحمة الآمنين..
كلاهما فطرة ناطقة بخصائصها الربَّانية المذهلة..