شريفة الشملان
لو جلس أحدنا في غرفة محاطة بمرايا مكبرة ينظر لنفسه، كم يبدو كبيرًا ضخمًا، يلف حول نفسه، ربما يتضخم في ذاته كتضخمه في المرآة.
رأس كبير، قد يظنه يضم مخًا جيدًا مفكرًا عظيمًا، وهذه العظمة تجعله يعود لخلفيته، الله كم أنجز وكم يرى الناس إنجازاته درس وتعلم وعمل، ويكبر ويكبر، وذات تتضخم، بحيث يرى عظمة لا توجد إلا بالمرآة، هذا يجعله يظن أن الناس ترى هذه العظمة وعليه إبلاغهم أن لم يروا.
هذا الواقع الإعلامي لدينا، أننا نخاطب أنفسنا كما نخاطب التضخم الذي لا يراه إلا نحن..
لأسبوع مضى وأنا أتابع إعلامنا وأغلب كتابنا، حيث نسوا واقعنا وراح البعض يلوم الغرب والأعداء الذين لا يرون فينا إلا العيوب، يتحدثون عن تلك التي هربت وذاك الذي اتخذ من المنابر الخارجية مجالا للسب في وطنه وعن الأبواق الخارجية التي تنشر عنا غسيلا قذرا.
نحن بإعلامنا نعيد ما يقال لكن بصورة فجة أحيانا ونحن ندافع، رغم أنا لسنا ملزمين بالدفاع، نحن علينا أن نترك أمر هؤلاء على مبدأ (اقتله بالإهمال)، فكل بيت هناك ما يسمى سقط متاع، وكل مكان به مشاكل أسرية وهناك من يخرج وينشر غسيله هو قذر، وهناك من يتصالح مع وضعه ذاك موجود في كل أصقاع الدنيا..
إعلامنا الخارجي يبدو أحيانًا كبطة مكسورة الرجل عرجاء، لا هي التي تتوازن أن مشيت ولا هي التي تطير، يرد الفعل وليس هو صاحب الفعل.. لكي يستقيم لا بد من استقطاب شباب وكهول من الذين درسوا وتعلموا في الخارج ولا أعني الخارج فقط الغرب، هناك ديار الله الواسعة غير الغرب، هناك العمق الآسيوي، والعمق الإفريقي، هذا الذي رعت فيه الغرب بكل صلافة وألم استعبدت ونشرت دينها وضيعتهم كثيرًا، قال أحد مثقفي إفريقيا (كنا بلا دين لكن نملك الأرض، أتى القساوسة والمبشرين، أعطونا الإنجيل وأخذوا الأرض).
أعود وأقول إن ثغرات واسعة في أعلامنا الخارجي ومعيقات، بما في ذلك سفاراتنا والملحقيات الثقافية والتعليمية.
على إعلامنا أن ينجو من مصيدة تحسين الصورة إلى تحسين الأصل، ولكي يحسن الأصل يتم إعطاء الخبز لخبازه. بمعنى أن يكون الإعلام سواء داخليًا أم خارجيًّا بيد المؤهلين له.
كتبت إعلامية معروفة وتخرجت بدرجة الدكتوراه من الغرب وسبرت أفكارهم وكيف ممكن الوصول للإنسان في داخلهم، ولم تجد لها وظيفة في الإعلام، ولو كنت وزيرًا للإعلام لأخذتها فورًا للعمل ضمن جهاز الوزارة. الحمد لله أن هذه الإعلامية ذهبت للعمل في إحدى الجامعات وأرجو أن يتخرج على يدها طلبة ينقلون منها تجربة جيدة ويطورون ويزيدون عليها، ولا شك أن هناك كثيرين جدا غيرها على مدى مسيرتنا الإعلامية.
الإعلام الخارجي ليس نزهة أو مجال مجاملات للأقارب، الإعلام الخارجي يجب أن يكون مرآة مصقولة بها الحقيقة الواضحة مع التهذيب وليس العبث بها، وإعلامنا الداخلي أيضًا أحيانا يعبث بذلك، يضخم ما لا يحتاج لتضخيم ويغفل عما هو أهم.. بل أحيانا يساهم في طمس الكثير ويعيق مسيرة شباب طموحين.
علينا أن نكبر بفننا وعلمنا والإنسان فينا ثقافة وتجارب وصقلا، بلا تضخم وبلا إجحاف.
من حقنا أن نرى الجمال في ذواتنا وفيما نحن فيه وليس من حقنا أن نطغى ونكابر..
نحن بشر ضمن كوكبة البشر، كل فرد منا ممكن أن يكون إعلاميًا لوطنه، يتوخى الدقة بأن يكون إعلاميًا ناجحًا. فذلك من أكبر سياسي لأصغره ومن أعظم تاجر واقتصادي لأصغره.
نحن في بيوتنا أيضا مسؤولون عن أن نكون بشرًا مع الأنفس التي تعيش معنا ليس فقط مع تعليم أبنائنا والعناية بثقافتهم وحسن تصرفهم ولكن مع البشر الذين يعيشون معنا من عمالة..
فلتكسر المرايا المكبرة في إعلامنا.. لنخاطب العالم من حولنا وليس ذواتنا وبلغة مفهومة.