أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: الله سبحانه وتعالى: هو الذي علمّ بالقلم، وعلّم الإنسان ما لم يعلم، وبركات (القلم) التي منّ الله بها على عباده (غير نهائية)؛ أي لا نهاية لها؛ ومن أبسط النماذج في الأدب التراثي ما يسمّى في بديع البلاغة العربية (توجيهاً)؛ وهو ما لا يحتمل غير وجهين كخيّاط أعور خاط لـ(بشار بن برد) قباءً؛ فأقسم (بشّار) على أن يقول فيه شعراً لا يعلم الناس أنه مديح أو هجاء، ثم قال:
خاط لي عمرو قباء
ليت عينيه سواء
قال أبو عبدالرحمن: إن كان المعاصر بشاراً رأى القباء، وأنه لا عيب فيه، وأنه مشبع رغبة (بشار): فالبيت مديح؛ إذ تمنى أن تكون عيناه سليمتين؛ وإن كان في القباء عيب.. وأحسّ من (بشار) أنه غير راض عنه: فالبيت هجاء؛ إذ تمنّى أن تكوّن العين السليمة كالعوراء؛ ولكن ما حالنا نحن المعاصرين ما دمنا لا نعلم شيئاً عن قباء (بشار)، ومدى رضاه به؟!.. إنّ حالنا بكلّ تأكيد أنّ البيت هجاء؛ لأنّ الشعر يقصد وضوح المدح بلا احتمال ينغّصه؛ وأما قلب كافوريات (المتنبي) إلى هجاء: فهي في وقتها مديح لزعيم له هيبة، ومنه خطر، وليس خيّاط بشار كذلك.
قال أبو عبدالرحمن: ومن هموم (القلم) سعة التّفقّه في نصوص الشريعة المطهّرة؛ فإذا قال جمهور الصحابة في الأحكام بقول، ولم يعرف لهم مخالف منهم رضي الله عنهم جميعاً: فإنّ عدم العلم بالمخالف ههنا: استقراء حاصر يساوي (العلم بالعدم)؛ فلا تنبغي مخالفتهم؛ لأنهم في جملتهم أعلم بالنصوص؛ ولأن أهل الرواية منهم معروفون محصورون؛ وهم أعلم بمقاصد الشرع ودلالته؛ فإن اختلفوا: فلا بد من الاجتهاد بالترجيح، أو بقول آخر يظهر للمجتهد بيان برهانه؛ فإن لم يظهر له برهان: لزمه الترجيح؛ فلا بدّ من الاستقراء؛ فإن كان قول جمهورهم الذي لا مخالف له عن مغيّب يوم القيامة، ولم يقم البرهان على أنهم أخذوه من أهل الكتاب: لزم أن لا نتعدّى قولهم؛ لأنه لا مسرح للاجتهاد في بلاغهم، وهم معايشون التنزيل؛ فهم أعلم بمراده.. وإن كان القول اجتهاداً منهم فبعيد أن لا يكون عن تمكّنهم من معرفة الدلالة؛ مع أنّ حمله على المرفوع إلى الشرع المطّهر أولى؛ ولأنه لا مسرح للاجتهاد في علم الغيب)؛ وإن كان المغيّب مما يقع في الدنيا: فيلزم أن تفسيرهم له إذا لم يعرف لهم مخالف منهم؛ فإذا وقع المغيّب أصبح التفسير مشاهدةً حسّيّةً مقدّمة، وأصبح قولهم اجتهاداً في الاستنباط مثل تغيير خلق الله الذي وقع بقباحة الجنس الثالث، وتغيير خلقهم بالهرمونات، وتعطّل الذّكر بأدوات العصر الحديثة، وحصول شهوة النساء.. ومثل ذلك {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة النحل/8]، وهو عوض عن الزينة والركوب كوسائل المواصلات المعاصرة؛ فإنه يلزم الاعتقاد من ضمن ما أخبر الله به، ولا يحق لنا أن نخمّن؛ ونفسّر ذلك بما يحتمل من تغيير وخلق؛ وكلّ ما خالف فطرة الله ك(الجينات) فهو من تغيير خلق الله، ولم يقم برهان بعد على أن هذه (الجينات) تحيا وتتوالد.. ومن تغيير خلق الله: تحوّل المطرب الأمريكي الزنجي الأسود (مايكل جاكسون) بعمليات جراحية إلى بياض قبيح كبياض الرخام، وقد مات بسبب ذلك.
قال ابو عبدالرحمن: ومن نوافل هموم (القلم) التماس الحكمة مما ترجم لنا من أدب الخواجات كقول حاديهم:
[هيّا نرتّب هذه..
الزهور.
في ذاك الإناء الجميل.
ما دام ليس عندنا رز]؛ فهذه الترجمة: نثر عادي لا نشعر بجماله الفني عند اليابانيّيين إن كان عندهم جميلاً؛ والذي نفهمه في أمثال أهل نجد: (السواليف ولا البيع الردي)!!.
قال أبو عبدالرحمن: ومن شعر (برهان الدين إبراهيم بن هارون اللقاني [1631 ميلادياً - 1041 هجرياً]
ولم تكن نبوة مكتسبة
ولو رقى في الخير أعلى عقبة
بل ذاك فضل الله يؤتيه لمن
يشاء جلّ الله واهب المنن
قال أبو عبدالرحمن: ومن شعري على طريقة نظم العلوم عند العرب قولي:
لله تدبير محتّم القضاء
كالموت والمآل خيراً أو شقاء
فذاك كونيّ محقّق يقع
وليس للمخلوق فيه متّسع
ولا عقاب فيه يجزى أو ثواب
إلا الرضا بالحكم في أم ّالكتاب
والعبد ذو الحرية الكونية
تجاه دين واجب الشرعية
لكنه يجزى على اختياره
والترك حوبه على اقتداره
وأختم ببيتين للقاضي الجرجاني في الزهد.
أمطري لؤلؤاً جبال سرنديب
وفيضي آبار تكرور تبراً
أنا إن عشت لست أعدم قوتاً
وإذا مت لست أعدم قبراً
فإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.