د. جاسر الحربش
في اليوم الثالث من الشهر الثالث لعام 2003م صدر العدد الأول من الجزيرة الثقافية. يعرف القارئ المخلص للثقافية وللثقافة نفسها أنه يتصفح العدد 600 من مجلته الأسبوعية. قد يهز رأسه تعجباً من تسارع الأزمنة ومن التحولات المرعبة في علاقة الناس بالثقافة حسب مفهومها الأصيل، ومن الكساد الضارب في أعماق الإنتاج الثقافي، أو بتوصيف أدق الضمور الثقافي العربي بما يشمل النوع والكم والانتشار. طلب مني الصديق الأستاذ إبراهيم التركي المشاركة بالملف الصادر بهذه المناسبة وفي حدود ما قل ودل. شكرت لأبي يزن أنه طلب الإيجاز، إذ لم يبق عندي من الرصيد الثقافي ما يباع بدرهم، فقد سحبني التيار الإلكتروني مع الغالبية نحو الاهتمام بتموجات السطح أكثر من الغوص في لجة الأعماق ومشقة القراءة التفكيكية لما قبل وما بعد وما خلف في النصوص الثقافية الجدية. كنت فيما مضى أهتم لهذا النوع من القراءات ثم تضاءلت اهتماماتي تدريجياً فانسحبت مخاتلةً ولم يبق لي من المتابعة سوى التصفح السريع لمقال يستهويني عنوانه أو يهمني فكر كاتبه. الإبداع الفكري الثقافي يثري العقل والروح، لكنه ينهك الجسد ويفقر الحال ولم يعد له حتى ذلك المردود المعنوي من التقدير الذي كان يناله المثقف الملتزم قبل الانفجار المعلوماتي الشبكي. المطلوب مني إذاً الكتابة بإيجاز عن المجلة الثقافية، ما لها وما عليها عبر سنيها الست إلى أن وصلت العدد الذي بين يدي القارئ الآن. أما الذي لها فكثير، منه الاستمرار كرابط وصل بين أجيال الثقافة القديمة والمثقفين المجددين، واحترام اللغة العربية فيما تنشره والفكر فيما تختاره، والإصرار على الاستمرار في زمن تصارع فيه الثقافة الحقيقية من أجل البقاء. وأما بخصوص ما عليها فليس عليها شيء لأنها تجود بأفضل الموجود وذلك يحسب لها وللقائمين عليها، زادهم الله ثباتاً على دروب الثقافة الملتزمة في زمن التسطيح.