سهام القحطاني
الوجود في ذاته ليس تحديًا بدون تأثير، ولذلك لا يمثل قيمة لا بصفة اعتبارية ذات هوية تاريخية أو حضارية، فالهامش حق مكتسب للجميع غير مشروط بالإضافة، في حين أن القيمة حق غير مكتسب إلا بالإنجاز والتأثير، هكذا تُقاس آلية تأريخ الأشياء.
اليوم وأنا أتحدث عن صدور العدد «600» من الثقافية أتحدث عن التاريخ قبل الواقع، باعتبار أن الثقافية أصبحت جزءًا من التاريخ الثقافي للسعودية، وممثلة لنبض الحركة الثقافية وواقع الميدان الثقافي. وجسرًا للتواصل الثقافي العربي، وهو ما جعلها تتجاوز المحلية إلى أفق العربية، وهذا التشارك فتح نافذة للتعريف بالكتّاب السعوديين خارج السعودية.
لقد ظهر الكثير من الصفحات الثقافية قبل الثقافية وبعدها، إلا أنها لم تستطع كسب تحدي الاستمرار أو التأثير، وهو أمر يجعلنا نقف أمام سؤال ما الأسباب التي ضمنت للثقافية كسب تحدي الاستمرار والتأثير؟
ولعلي في هذا الرأي السريع أوجز تلك الأسباب في أربع نقاط هي:
* وضوح الرؤية والرسالة، إن من أهم أسباب كسب التحدي للاستمرار والتأثير وجود رؤية ورسالة تنطلق منها أي منشأة فكرية أو ثقافية، ووجودهما كفيل بجودة التخطيط والتطوير ومقاومة أي تحدٍ وتحويله إلى فرض استثمارية داعمة للمنجز وإضافاته.
ورؤية ورسالة الثقافية كانتا منذ البدء واضحتين تنطلقان من «توثيق ذاكرة التاريخ الثقافي، رصد المنجز الثقافي الميداني، خلق مساحة ثقافية لتحويل صراع الأجيال الثقافية إلى تشارك الأجيال الثقافية».
*قدرة العقل المفكِر، القيمة ليست» قدرا» إنما هي «الإِنسان»، وأنا أتحدث عن تاريخ الثقافية ومعركة التحدي، يجب أن أذكر أن لولا وجود عقول واعية ومؤمنة بأهمية الثقافة تمتلك طاقة المعرفة والقدرة على الاستشراف ما وصلت الثقافية للعدد 600 مع كل التحديات التي تُحيط بالصحافة عامة وبالوجود الثقافي الذي أخرجته وسائل التواصل من دائرة الضوء خاصة.
ولذا فتحية إجلال «لفارس الكلمة» قائد هذا الصرح الصحفي الأستاذ خالد المالك فلولا إيمانه ووعيه الثقافي ما كانت الثقافية واستمرت وفرضت وجودها القوي بين الصفحات الثقافية السعودية والعربية.
وتحية إجلال «لمايسترو الكلمة» الدكتور إبراهيم التركي الذي لولا عقليته التجديدية وانفتاحه الفكري وطاقته الإبداعية لسقطت الثقافية مثل بعض الصفحات الثقافية.
وتحية لكل طاقم الثقافية من صحفيات وصحفيين وفنيين فهؤلاء دوما هم أساس قيمة أي منجز.
*الانفتاح الأيديولوجي الفكري للثقافية، إن من أسباب سقوط بعض الصفحات الثقافية وقوعها في فخ التأطير الأيديولوجي الفكري لاتجاهها الثقافي. ولذا فأنا أعتبر أن الانفتاح الأيديولوجي للثقافية حقق لها دعمًا لكسب رهان الاستمرار والتأثير، من خلال منحها فرصًا متكافئة لكل الأفكار الأيدولوجية للوجود على صفحاتها دون تمييز أو تحيّز، وهذا الأمر جذب إليها الكتّاب والجماهير، ورسم خريطة ديمقراطيتها الثقافية وحولها إلى علامة ثقافية. *القدرة على التجديد والتفاعل مع المستجدات، وهذا السبب بمنزلة أكسير الحياة الذي يقاوم الشيخوخة ويمنح الخلود، وقد استطاعت الثقافية أن تكسب تحدي التجديد من خلال التغير المستمر لزيها الثقافي والضخ المستمر للفكر الشبابي والمرونة الفكرية للقائمين عليها، كما استطاعت أن تتفاعل مع المستجدات بصورة متوازنة لتحقق المعادلة الصعبة بين «الورقي والتقني»؛ حتى حققت رهان كسب معركة الاستمرار والتأثير صانعة لنفسها عقيدة ثقافية وذاكرة تاريخية.