محمد عبد الرزاق القشعمي
فوجئت بدعوة كريمة من المسؤولين عن الثقافية بجريدة الجزيرة.. وهي المشاعر التي تنتابني وأنا أطالع العدد الـ600 من المجلة الثقافية بوصفي أحد أبنائها، أو مَن شهد ولادتها، وتابع نموها حتى شبت وبانت محاسنها، وصمدت أمام العواصف، وقاومت رغبات البعض في قص أجنحتها واختزالها، أو إعادتها لما كانت عليه من قبل صفحة أو صفحتين في وسط العدد الأسبوعي من الجريدة..
صحيح أنها وُلدت في ثوب جديد ملون مستقل عن العدد المعتاد، وبقيت لسنوات على هذا اللون، وكانت ترحب بالشباب ومحاولاتهم الأولى، والأخذ بأيديهم لرقي الدرجات بثقة دون أن يهتز السلم من تحت أقدامهم، والاحتفاء بالرواد والمبرزين في جميع الأعمال الثقافية، والدعوة لذكرهم وشكرهم وتقديرهم في حياتهم وبعد مماتهم.
لا أنسى زيارتي مع الراحل الصديق الفنان التشكيلي البارز عبدالجبار اليحيا - رحمه الله - في زيارته الأولى للرياض بعد أن استقر بالمجر بُعيد حرب الخليج الثانية، ومقابلتنا مدير تحرير الثقافية الدكتور إبراهيم التركي والأستاذ عبدالرحمن المرداس، واقتراح أن تكون الصفحات الثقافية في وسط العدد وقابلة للطي والاحتفاظ بها.. لا ندري أنه بعد سنة أو سنتين سيولد الجنين مكتمل النمو، وبثوب جميل قشيب، ونجدها تتابع المحاولات المبكرة.. بل تكتشف وتكشف بعض المواهب التي يتمتع بها البعض دون ضجيج. فقد عرفنا الفنان التشكيلي والكاتب عبدالجبار اليحيا، ولكننا لم نعرفه شاعرًا أو مترجمًا إلا من خلال الثقافية. والموسوعي الراحل عبدالرحمن البطحي - رحمه الله - وغيرهما كثير..
الحيز المحدد للمشاركة محدود، ولا مجال للاسترسال، ولكني بعيد عن المجلة في هذا الوقت؛ إذ كنت في معرض الكتاب بالقاهرة هذه الأيام؛ فليس لي أن أذكر ما بقي في الذاكرة لتأكيد ما قدمته الثقافية، وتخطيها كل العقبات والحواجز، وصمودها لتبقى متحدية العواصف وغيرها قد ذاب أو انتهى أو تقلص..
اليوم والكل يحتفل ويحتفي بالعدد الست مئة من مجلتنا الثقافية لا أنسى أنني ممن واكب مسيرتها، ونشرت لي في صفحاتها الكثير من المشاركات المتواضعة المبكرة التي مضى على بعضها قرابة العقدين من الزمن، عندما أقرأ شيئًا منها أخجل لتواضع مستواه.. ومع ذلك تنشر لي ولغيري مهما بعُد عن اللغة الثقافية الراقية والمألوفة..
تحياتي وأمنياتي بأن تستمر شابة متوثبة واثقة الخطى.. وإلى الأمام، وشكرًا لكل العاملين بها - وما زالوا - ولا ننسى من غادرها بعد أن شبت وقويت مثل محمد الدبيسي وعبدالحفيظ الشمري وسعيد دحية وغيرهم، وحفظ الله ربانها ومرشدها الدكتور إبراهيم التركي، وربان المركب أبا بشار الأستاذ خالد بن حمد المالك. وتحياتي للجميع.