لا أنكرُ أنَّ لجريدة الجزيرة فضلاً عليَّ كبير - بعد الله تعالى - في امتطاء صهوة الكتابة, والدخول إلى عالم الصحافة. فمنذ ما يقارب العقدين من الزمن كانت تجربتي الأولى مع هذه الصحيفة العريقة, وذلك عندما أعددتُ مقالاً للإيفاء بمتطلبات بعض الأنشطة (غير الصفية) يوم كنتُ طالباً في مرحلة (البكالوريس). وأذكرُ أن عنوانه كان (التقنية الإعلامية فرصة للتعريف بالإسلام ولغة القرآن). كانت تلك المحاولة الأولى من منبر هذه الجريدة الشامخة (الجزيرة) وهو ما كان يعني لي الشيء الكثير.
ولم يعد الاهتمامُ بعد ذلك منصباً على الكتابة فحسب, بل كان هناك ميل إلى هذه الصحيفة السامقة, وبالأخص نحو أقسامها وأعمدتها الثقافية, حتى انكببتُ على ملحق (الثقافية) الذي يصدر بشكل أسبوعي كل سبت, فأضحى هذا الملحق حاضناً لاهتمامي الذي أخذ يعلو ويزيد, وكان لوجود بعص أساتذتي الذين يكتبون فيه بشكل مستمر أثره الكبير في انكبابي عليه أيضاً, وقد نشأتُ على المقالات الرصينة التي كان يكتبها بعض أساتذتنا, وأذكر منهم أستاذي الدكتور حسن الهويمل, حيث كنت أتابع ما يكتبه هنا في الملحق, وهناك في الصحيفة, وقد بلغ بي الأمر إلى الاحتفاظ ببعض مقالاته للإفادة منها, حتى أصبح بعضها كصحائف مخطوط تغيّر لونه, واهترأت أوراقه. ولقد زاد من شغفي بملحق الثقافية المتألق, أن سعدتُ بتقديم بعض المقالات الأدبية والثقافية المتواضعة, وكان لي شرف النشر فيه بعد أن كنتُ قارئاً معجباً, ولعل مما أسعدني أيضًا أنني صرتُ أرى في هذا الملحق تجدداً ملحوظاً, وتنافساً محموماً, بدا جلياً في تنوع المواد المكتوبة, وتفاوت الكتّاب بمختلف ميولهم, واتجاهاتهم, ومستوياتهم, حتى إنك لتجد للحداثة فيه طعمها, وللأصالة فيه بريقها, وهو ما يجعل في (الثقافية) أنموذجاً فريداً لصناعة الخطاب الإعلامي (الثقافي) الجديد الذي سيبقى دليلاً على التميّز, وشاهداً على التفوق مع مرور الزمن إن شاء الله.
** **
- د. فهد إبراهيم البكر