في زمن تتلاشى فيه حروف الثقافة وتتساقط أوراق شجرتها العملاقة الثابتة في هذه الأرض الجافة.. ولكنها المورقة بإبداعها وكلماتها الخضراء عبر تاريخها... أقول في هذا الزمن الشحيح بالإبداع الراقي النبيل حيث يتراكم الغثاء على الغثاء في كثير -لا أقول الكل- فيختلط الشِعرُ بالشعير في مأدبة الثقافة التي يتعالى فيها صوت الثغاء على صوت الصهيل فلا تقرأ في معظم ملاحقنا العربية إلا الشحيح الشحيح من العطاء الإبداعي النبيل الذي يشبع نهم القارئ ويروي عروق ذائقته.. أقول في زمن القحط هذا ربما تلوح بعض الأشجار الظليلة الوارفة تراها أحياناً في المغرب العربي، وفي مصر والسودان والجزيرة العربية، من خلال بعض الملاحق التي تجد فيها بعض ما يشبع رغبتك، ويغذي نهمك.
ولعل -ثقافية الجزيرة- من تلك البقع الخضراء المحاطة بالماء والرواء الذي يسر الناظرين، ويذكي النفوس بتلك الروائح الأدبية الفواحة العطرة.. ولست هنا أبخس بقية الجرائد حقها، ولكنها حدائق ومناظر مختلفة، كل له لونه وطعمه وفرادته.. ولعل أجمل ما فيها ذلكم الأدب الجاد شعراً وقصة أو مقالة، إذ لم تغامر الثقافية بالمتاجرة بطرح تلك الأنواع والألوان الباهتة والضبابية التي ظهرت منتوفة الريش مكسرة الأجنحة فأبادتها ذائقة المتلقي فأصبحت تاريخاً غير حميد
***
وثقافية الجزيرة وهي تحتفل بعددها 600 تستحق منا وقفة إعجاب وتحية ومباركة في مسارها نحو الأدب الراقي والجاد وليس ذلك بمستغرب، فالذي يتولى الإشراف عليها هو كما يقال صاحب ((صنعة)) أنه الشاعر والأديب المثقف الدكتور إبراهيم التركي فهو من الأدباء الحقيقيين الذين انغمسوا في عمق الثقافة وخاضوا غمارها.. ولست أبالغ إذا قلت: إنه من المثقفين العرب القلائل الذين قابلتهم، فهو من المهتمين بأصول الشعر وضوابطه مع تمكن ومقدرة لغوية نادرة، إضافة إلى إلمامه باللغة الإنجليزية فهو مطلع عليها اطلاع المثقف البصير والقارئ المتقن، ومن ثم فهو جامع لكلا الثقافتين... ومن عجائب هذا الرجل أنه ملتف بعباءة الصمت أو التحدث عن ذاته ولكن في داخل العباءة مثقف كبير..
فالمثقف والشاعر إبراهيم التركي أحد الذين تلتم عليه مجامع الشعر والثقافة، مع رجاحة عقل، وسلامة منطق، وهدوء الواثق بنفسه من غير تباه أو مفاخرة..
أرى أن مشكلة إبراهيم ذلك الهدوء والطمأنينة ولا أقول الكسل في عدم إخراج قصائده في دواوين متعددة متنوعة... فعلى حد معرفتي أن لديه من القصائد الجياد ما قد يثري بها الثقافة الأصيلة بل النبيلة التي تكاد تختفي في هذا الزمن المليء بالزبد والطفح.
أقول لك: يا أخي إبراهيم الثقافة كنز ولكن ليس لصاحبه وحده وليس من حقه أن يغلق عليه الصندوق!! لأنه بكل بساطة عطاؤك الذي لا تمتلكه وحدك..!
** **
- عبدالله الناصر