د. محمد عبدالله العوين
تعاملت الدولة مع جماعة الإخوان في بداية الأمر تعاملاً لطيفاً؛ على الرغم من أن الجماعة صعدت مواقفها المناوئة بصورة تدريجية وكأنها تريد اختبار ردة الفعل الرسمية، فقد أصدر أعضاؤها وعدد ممن آمن أو انخدع بأفكارها بيانات أسموها مذكرات أو نصائح أو عرائض حملت تواقيع عدد ممن انساقوا خلف أفكارهم وصاحوا مع الصائحين وتأثروا بتأجيج خطب الكاسيت التي كان يلقيها أحد فروخ الفكر السروري بعد أن انتهت الجماعة من مرحلة بناء وأدلجة فكر جيلين ورأت أن الوقت والظرف السياسي إبان حرب الخليج الثانية مناسبان للبدء بالضغط على الدولة كمرحلة اختبار، فلم يكن بد من أن يوقف المتجاوزون ويحجز المتهورون ويؤخذ على أيدي السفهاء والجهلاء الذين لم يستوعبوا لين القيادة السياسية وتسامحها.
لقد تعاملت الدولة معهم بطول نفس عجيب ومدت لهم حبل الصلة الحسنة وقربت عدداً منهم علّ في القرب فهماً ووعياً بما عليهم أن يتنبهوا له، ولكن الجماعة المخادعة تتعامل بأسلوب التقية وتغيير الأقنعة حين تستدعي ضرورة التخفي والتلوّن، وهنا كان لا بد من الحسم.
كان للحديث الصحافي الصريح والشفاف الذي أدلى به الأمير نايف بن عبد العزيز -رحمه الله- وزير الداخلية آنذاك لجريدة السياسية الكويتية ونشر بتاريخ 21 رمضان 1423هـ 23 نوفمبر 2002م الأثر المدوّي في زلزلة أركان الجماعة، فقد وصلت لهم الرسالة قوية وواضحة، ويعد أول مواجهة رسمية صريحة ضد الإخوان.
في حديثه اختصر الأمير نايف المسافة الزمنية الطويلة بين لقاء حسن البنا بالملك عبد العزيز عام 1346هـ وما حدث بعده من تطورات أكدت حكمة الملك المؤسس العظيم -رحمه الله- حين رفض طلب البنا افتتاح فرع للجماعة في المملكة وقال «كلنا إخوة، وكلنا مسلمون».
وبعد سبعة وسبعين عاماً من الطلب المرفوض وعلى الرغم من أن أفراد الجماعة مستضافون بعد التضييق عليهم في بلادهم، وأنه كان من الواجب عليهم مراعاة واحترام البلد الذي استضافهم وآواهم وأكرمهم إلا أنهم قابلوا الإحسان بالإساءة وكرم الضيافة بالخديعة؛ وها هو الأمير نايف في حديثه المشار إليه يقول: «ولكنني أقولها من دون تردد إن مشكلاتنا وإفرازاتنا كلها -وسمها كما شئت- جاءت من الإخوان المسلمين، فتحنا أمامهم أبواب المدارس وفتحنا لهم الجامعات، ولكن للأسف لم ينسوا ارتباطاتهم السابقة فأخذوا يجنّدون الناس وينشئون التيارات وأصبحوا ضد المملكة.. الإخوان هم أساس البلاء والشرور وسبب تخلفنا وكل مآسينا». وجرياً على عادتهم في التلوّن رد مرشدهم -آنذاك- مأمون الهضيبي منكراً على الأمير اتهاماته أعضاء الجماعة، وزاعماً بأنهم لم يسعوا إلى الإخلال بأمن المملكة واستقرارها، فكتبت مقالة ساخنة رداً عليه موثقة بالأدلة «لا يا فضيلة المرشد؛ بل أنشأتم في بلادنا جماعات» ونشرت متزامنة في صحيفتي المدينة والاقتصادية يوم الأربعاء 24 رمضان 1423هـ.
وحسم تصنيف الجماعة بأنها «إرهابية» الصادر بتاريخ 7-3-2014م إمكانية عملها في المملكة بصفة نهائية.