فهد بن جليد
على طاولة كل متدرب من المبرمجين العشرين في معسكر طويق البرمجي، الذي ينظمه الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز بالرياض هذه الأيام، تشدّ انتباهك تلك (النبتة) الصغيرة جدًا (داخل لمبة) وضعت في إطار جمالي أبيض، لتنمو بفعل الضوء وتحصل على الماء من (اسفنجة) صغيرة أسفل قاعدتها، هذه الورقة الخضراء التي ترافق المتدرب طوال أيام المعسكر تعكس في دورة حياتها القصيرة، أثر ما يحصل عليه من معلومات وقواعد تجعله أقوى في الحياة الإلكترونية، وهي فلسفة تعكس لك مدى اهتمام وعناية المنظمين بأدق التفاصيل الصغيرة للمتدربين العشرين الذين تم اختيارهم بعناية كبيرة من بين 25 ألف متقدم، وهو ما يدل عل أنَّ الهدف هو الكيف وليس الكم، فالنجاح لا يقاس في مثل هذه العلوم بعدد الخريجين، بقدر ما يعكس المستوى والكفاءة النجاح من عدمه، الأمور هنا تدار بإحكام كبير وتشبه في تفاصيلها وصرامتها حياة المعسكرات الحقيقة للجنود، لناحية المواعيد الصارمة والجدران المليئة بالعبارات التحفيزية والتشجيعية وعلى رأسها صورة وكلمة سمو ولي العهد عندما شبه عزيمة الشعب السعودي بجل طويق، الاسم الذي تم منه اشتقاق عنوان المعسكر.
هذه واحدة من المرات القلائل التي أجد فيها أسلوبًا تدريبيًا مكثفًا لتطبيق فلسفة (المعسكرات) داخل أحد الفنادق، كوسيلة لفرض نمط سلوك تدريبي معين، يكسِب المتدربين من الجنسين المهارات اللازمة نتيجة التصاقهم التام بالبرمجيات والتطبيقات لـ9 ساعات يوميًا، طوال الـ14 أسبوعًا على أيدي أمهر المدربين، وهو ما يوحي بولادة (منصة سعودية) تدريبية جديدة على كفاءة عالية، ستكون رافدًا لسد عجز التوطين في سوق البرمجة، ولتميز أبناء وبنات المملكة في الاستزادة من هذا العلم وتطبيقاته وتجهيزهم لسوق العمل، أو حتى تقديم دورات مماثلة لمبرمجين آخرين، وهو ما يتوافق مع رؤية المملكة 2030 في رفع كفاءة التأهيل والتدريب، والأجمل أنَّ الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز يقدم هذ المعسكر مجانًا، ويوفر كل ما يلزم من تجهيزات وسكن وخلافه، ولا يطالب المتدرب بأي خدمات مستقبلية محدَّدة أو يتابع مسيرته لاحقًا، فهو يؤهله أكثر ويتركه يختار طريقه.
ليس خافيًا أنَّ عديدًا من الشركات ترقب المشهد، وتحاول اقتناص الفرصة في استقطاب خريجي هذا المعسكر والاستفادة من كفاءتهم العالية، الأمر الذي يحمِّل الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز مسؤولية أكبر في استمرار مثل هذه البرامج الخلاَّقة، التي تتوافق مع أهدافه وغاياته النبيلة في بناء القدرات المحلية والاحترافية لصناعة المعرفة التقنية الحديثة.
وعلى دروب الخير نلتقي.