خالد بن حمد المالك
فاجأني الدكتور إبراهيم التركي مدير التحرير للشؤون الثقافية في هذه الصحيفة ببلوغ عمر المجلة الثقافية ستمائة عدد، تابع كل عدد فيها الحراك الثقافي بالمملكة وفي الخارج، وقدَّم خلال سنوات خلت من عمرها محتوى ثقافياً جديراً بالمتابعة، وشارك فيه مجموعة منتقاة من الكُتَّاب والنقاد والشعراء، وكان للرواية والقصة والترجمة نصيبها في ذلك، وكانت مفاجأة الزميل التركي لي مفاجأة سارة، إذ لم أكن أتوقع أن المجلة الثقافية قد صدر منها كل هذه الأعداد، وأنه قد صاحب عمرها هذا الحد من التفاعل والتأثير في العمق الأدبي والثقافي.
* *
وللتذكير فعندما بدأنا في صحيفة الجزيرة تبني هذا المشروع الثقافي، سداً للنقص الذي تعاني منه الساحة الثقافية، كانت البداية قوية وظلت هكذا إلى اليوم، من خلال ما يُطرح فيها من موضوعات جاذبة، تنشر بأقلام سعودية وعربية وترجمات لمن لهم إنتاج مهم من الأجانب، وكان خط المجلة الثقافية واضحاً، يقف محايداً وعلى خط الوسط من كل التيارات الثقافية، فلا انحياز للجديد وإهمال للقديم، أو العكس، فكل الخيارات للكتابة متاحة للكتاب، بحسب انتماءاتهم الفكرية، والطيف الثقافي الذي يجدون أنفسهم فيه، بما جعل من هذا الإصدار قِبلة وخياراً للكتاب، بل وللقراء، حيث التنوع والمتابعة، والأسماء الكبيرة التي تكتب فيه.
* *
وكان القسم الثقافي بقيادة مدير التحرير الدكتور إبراهيم التركي صاحب نفس طويل في مواجهة التحديات والتغلب عليها بحكمته وانفتاحه على كل المقترحات، بما فيها الموجعة التي صاحبت الوضع المستجد في الصحافة الورقية مؤخرًا، فلم يتأثر مستوى المجلة، أو تقوده الأزمة إلى التراجع في المحتوى، أو التوقف، وإنما حرص على أن تبقى المجلة واجهة ثقافية على مستوى المملكة، ومنبراً للتعبير الحر عن كل الآراء والتباينات في وجهات النظر، وظلت صفحات المجلة الثقافية تتسع لكل طرح موضوعي، وتحتفي بكل قلم متمكن في إثراء هذه الصفحات بكل رأي أو موقف أو مشاركة تدفع بالنشاط والحراك الثقافي بالبلاد نحو ما يعزز مكانته، ويضعه ضمن التميز والحضور الفاعل.
* *
لقد جرت العادة أن تبدأ الأفكار عند تنفيذها متواضعة، ثم تبدأ بالتطور التدريجي، لكن في هذه المجلة، بدأ الزملاء في القسم الثقافي منذ عددها الأول متمكنين وقادرين على أن يكون مشروعهم بمستوى متميز ويلبي تطلعات قرائه، سواء باختيار نوعية الكتاب، أو بالعناية بالإخراج، أو باللغة الجميلة المستخدمة في اختيار العناوين، وكذلك في الحرص على أن تكون المساحات صغيرها وكبيرها التي تُعطى للكتاب مرهونة بأهمية الموضوع، لا بالاعتماد على اسم الكاتب وشهرته فقط، ما جعل من المجلة مرجعاً أميناً لقرائها في معرفة الموقف من القضايا المطروحة ثقافياً وأدبياً، وواجهة رصينة للمثقفين، منذ عددها الأول وإلى أن بلغت الستمائة عدد.
* *
وكان اللافت للنظر، أنها عُنيت بكل فنون الثقافية، فلم تهمل فناً إبداعياً، أو تتجاهل نصاً يهم القراء أن يكون في متناولهم، لهذا فقد كان للشعر بنوعيه نصيبه من الاهتمام، وكذلك كانت القصة، والرواية، والترجمة، والنقد حاضرة، ولم تكن المقالة الأدبية، والمقابلات مع المفكرين والمثقفين، والكتابة عن الكتب والإصدارات الجديدة إلا أنها ضمن اهتماماتها وتركيزها والحرص على أن تكون أساسيات في توجهاتها، مما أضفى على المجلة الحيدة والتنوع والتفاعل الدائم مع قرائها.
* *
وما زال قراء المجلة، وما زلنا معهم ننتظر من الزملاء في المجلة ما الذي ستكون عليه بعد الستمائة عدد في ظل المستجدات في عالم الصحافة، والتطور التقني الذي يحاول أن يسرق منها هذا الوهج الذي تمتعت به على مدى عقود من الزمن لصالح الصحافة الرقمية، خاصة وأن الإمكانات لتطويع الإعلام الجديد ليكون امتدادًا لما هو قائم في المجلة هي بين أيدينا، وقادرون على استثمارها في خدمة هذا العمل الثقافي الجليل، وأكاد أجزم أن الزملاء لن يفرطوا في هذا الحشد الكبير من القراء، وفي هذه التجربة الريادية الناجحة وسيكون عملهم القادم في نجاحه وتفوقه وريادته استكمالاً لما بنوه ورسخوه في أذهان القراء على مدى ستمائة عدد من المجلة الثقافية.
* *
أريد أن أنهي هذه الكلمة بتقديم الشكر والتقدير لكل من مدير التحرير للشؤون الثقافية والفريق الذي يعمل معه على جودة العمل في المجلة الثقافية، واحترام ذوق القارئ، وتمكينه من أن يقرأ من خلال المجلة شيئاً مفيداً، كما أشكر كل صاحب قلم كان له حضور ومشاركة في المجلة، فلولا هؤلاء لما كان للمجلة الفرصة لأن تحصل على هذا النصيب الوافر من النجاح، أما الشكر الأخير فهو للقراء، الذين كانوا جمهور المجلة وأسرتها الحقيقية، ممن امتدحوها أو انتقدوها عن حب أصيل وصادق.