د.ثريا العريض
سؤالان محوريان يتعلقان بالمفكرين والإعلاميين العاملين في منصات الإعلام العام.
السؤال الأول هو: هل يستطيع المفكر أو الكاتب أن يغير رأيه إلى النقيض بعد زمن من إعلانه رأيًا مختلفًا؟
كثيرون يرون في ذلك مشجبًا يعلقون عليه تهمة التقلب والانتهازية. وقد تكون تهمة في محلها.. وقد تكون جائرة ظالمة.
بعض أشهر المفكرين والمنظرين والعلماء الأجانب جرأ أن يفعل ذلك وأعلن أنه غيَّر رأيه بناء على ما استجد، لأن ولاءه للحقيقة وليس لمعتقد آني مبني على معلومات منقوصة أو مرتبطة بالظروف.. وما نظنه الحقيقة قد تنكشف مع تغير الظروف أو تبين مستجدات معلومات إضافية, عن عكس ما ظنناه سابقًا.
بعض صناع القرار والإعلاميين والقراء بيننا مثل غيرنا من دول العالم النامي ما زال يتشبث بالدور المسطح للإعلام كوسيلة لنشر وجهة نظر أحادية إما الرسمية أو المعارضة أو الفئوية، في زمن لا يمكن فيه فرض رؤية أحادية أو تغطية الشمس بمنخل. الحمد لله أن بعضنا ما زال يحتفظ بحق تغيير الموقف وفي بعض الحالات ننشده أمام تغيير في الموقف بما يعادل مئة وثمانين درجة. والمرونة هذه قد نشكرها من بعضهم لوضوح الصدق في مواقفهم وقد يثابون عليها حين تعني التعلم من تجربة الواقع وتصحيح موقف الرؤية السابقة المبنية على خطأ أو نقص في المعلومة، وقد تعني في حالات أخرى انتهازية تستفيد من الموجة الصاعدة تفقدهم مصداقيتهم لدى جميع المتلقين.
كل هذا يطرح أسئلة أساسية: ما هو دور أجهزة الإعلام والإعلاميين في عصر التقنيات الحديثة؟ هل موقف الإعلامي موقف التزام دائم؟ أم هو مرن قابل للتغيير؟ أم مفصل ومحدد مسبقًا لا يحتمل إلا وجهة نظر سمح بها من يملك موقع الإذن والسماح؟ هل موقف المنبر الإعلامي ذاته منفصل عن موقف المشاركين من الكتاب والمذيعين والمحاورين؟ هل يرى المتلقون هذا الدور بصورة واحدة أم يختلفون في تقبلاتهم؟ وكيف يحكم على الإعلامي الخارج عن الرأي المعتمد سواء كان الرأي الرسمي أو الرأي العرفي في المجتمع؟
هل نراه مصلحًا، مجددًا، رائدًا للتطوير؟ أم نراه خائنًا منشقًا عاقًا؟
قضايانا الوطنية والقومية والمجتمعية وحتى الإفتائية تطرح على منابر الحوار وتتعرض للبحث واختلاف الرأي شئنا أم أبينا؟
ويبقى السؤال الثاني وأترك لك يا قارئي أن تفكر في إجابة صادقة له، ومبرراتها: هل تستطيع أنت في معطيات الوضع الحاضر وظروفه, أن تعلن أنك كنت مخطئًا في رأيك السابق.. وأنك تمسكًا بالصدق تعلن الآن رأيًا آخر مضادًا؟