د. محمد عبدالله الخازم
الفكرة أو الهدف من الاعتماد الأكاديمي للبرامج الجامعية هو التأكد من وجود الحد الأدنى من المعايير التعليمية والتنظيمية للبرنامج المُعتمد، بما يضمن مخرجات متميزة تتفق ومتطلبات المهنة أو التخصص. لذا تفاخر الجامعات العالمية بمرجعيتها في مجال الاعتماد الأكاديمي. وفي المملكة أسست هيئة لهذا الغرض، بعد نحو عقد من الزمان بدأت تمنح شهادات الاعتماد للجامعات والكليات والبرامج. ومن حسن حظ الغالبية فإن النجاح في الحصول على الاعتماد قابل للتحقق، لأنه مبني على مراجعات ورقية بالدرجة الأولى يسهل الوفاء بها حتى ولو لم تطبق في أرض الواقع، ولأنه لا علاقة له بقياس المخرجات فإنه لا يضمن جودة التطبيق. ومع التقدير فإنه عطفاً على ذلك، يقترح البعض تسميتها هيئة اعتماد النماذج الأكاديمية وليس اعتماد البرامج الأكاديمية!
هذا كلام استند في إطلاقه على نتائج هيئة التخصصات الصحية لخريجي بعض الكليات الصحية، كالطب وطب الأسنان، فقد أظهرت واقعاً مؤلماً لكليات يفترض أن لا تمارس عملها قبل حصولها على الاعتماد الأكاديمي. هناك كليات نصف خريجيها ليسوا مؤهلين لممارسة المهنة. اختبارات الهيئة تقيس المخرجات وهي موحدة للجميع، لذلك نمنحها الثقة ونستخدمها كمرجع، فما هو المرجع الذي تستخدمه هيئة الاعتماد الأكاديمي لتقنعنا بصدقية وجدية شهادات الاعتماد والحفلات التي توزع فيها. لماذا لا تتغير طريقة الاعتماد الأكاديمي لتتجه نحو قياس المخرجات والتسرب والتعثر كأهم معايير الاعتماد، بدلاً من مجرد الاعتماد على نماذج هي تعلم أن كل كلية تنسخها من الأخرى وأن تطبيقها ليس حقيقياً في أرض الواقع؟
معالي وزير التعليم كانت كلمته في ورشة عمل التعليم الجامعي منصبة على الجودة، وكرر أننا لا نريدها مجرد (أكليشات) ونماذج يتم تعبئتها. نريد أن نتبع القول بفعل يا معالي الوزير، ونسأل ماذا ستفعل وزارة التعليم بعد أن أثبتت اختبارات هيئة التخصصات تواضع المخرجات لدى كليات حاصلة أو في طور الحصول على الاعتماد الأكاديمي؟ هل تتم المساءلة وتمنح إنذارات أو إيقاف لأي كلية بسبب تدني نتائجها؟ ما الذي يمنع من إيقاف برنامج لمدة عام أو عامين حتى يقوم بتصحيح وضعه وتحسين أدواته الأكاديمية؟ هناك كليات - الأهلية بالذات- تقبل أعداداً كبيرة رغم تدني نتائجها وعدم قدرة أكثر من نصف خريجيها من ممارسة المهنة، ما الذي يمنع من تحديد أعداد المقبولين بتلك الكليات؟ ما الذي يمنع من دراسة واقع الكليات التي لم تحقق النتائج ومعرفة مبررات ذلك مقارنة بمن حققت نتائج إيجابية، وبالتالي دعمها لتحسين واقعها؟ لماذا تحقق جامعات الملك سعود أو سعود الصحية نتائج معقولة ولا تحققها جامعات الإمام محمد بن سعود أو الباحة أو الجوف؟ لماذا الكليات الحكومية تحقق نتائج جيدة ولا تحقق ذلك الكليات الأهلية؟ هل يمكن إيقاف تعليم الطب في الكليات الأهلية بسبب تدني المخرجات؟
المهمة الصعبة التي نريدها من هيئة الاعتماد الأكاديمية هي القيام بقياس حقيقي للمنتجات الأكاديمية يتيح لنا الاطمئنان حول معنى وجدوى الاعتماد المرتبط بالمخرجات. وإذا لم يكن ممكناً، اقترح تحول الاعتماد الأكاديمي إلى مجرد اشتراك سنوي تدفعه الجامعات مقابل العضوية، دون عناء اللجان والزيارات وحفلات التتويج!