محمد آل الشيخ
لم أستغرب أبدًا عندما سلّم أردوغان الإرهابي المصري «محمد عبدالحفيظ» لسلطات بلاده، ولا يعني ذلك أنني أدافع هنا عن هذا الإرهابي المجرم القاتل، بقدر ما أريد أن أعري أردوغان وأكشف مراوغاته. فهو يدعي إنه يدعم الإخونج ويساندهم، ويؤمن بحلولهم، وكان مع دويلة قطر ووراءهم الرئيس الأمريكي الآفل أوباما هم من أشعلوا ما سُمي بثورات (الربيع العربي) الدموية، وماخلّفته من خسائر على كل المستويات، إضافة إلى أنني أردت أن أكشف عدم صحة أن أردوغان يسعى لنصرة الإسلام، كما يدعي، وأنه يقف معهم بقوة وصلابة ولا يحيد عنها.
قد نُصدق ما يدعيه قبل هزيمة فرقة الإخونج أخيراً، وتشتت أفرادها، وانحسار تأثيرها ونفوذها في المجتمعات الإسلامية، أما الآن فلا يمكن للسياسي البراغماتي على وجه الخصوص، إلا أن يدير لهم ظهر المجن، ويلتفت إلى مصالحه ومصالح بلاده. وأجزم أن تسليم هذا الإرهابي القاتل لمصر كانت هذه مبرراته ودوافعه. وأجزم أيضًا أن هذا أول الغيث، وسيتبعه خطوات مماثلة، لأن تركيا لها مصالح، ولديها قضايا، ولا يمكن أن تراهن على حصان خاسر كهذه الجماعة المهزومة. حاول أردوغان أن يركب تلك الجماعة لتحقيق غاياته في إعادة نفوذ دولة بني عثمان إلى الحياة من جديد كما يحلم، لكن محاولاته فشلت، وتبع هذا الفشل في الوقت نفسه اضمحلال نفوذها، وتدني شعبيتها، بعد أن راهنوا على (الربيع العربي)، وباؤوا بهزائم مدوية؛ وأردوغان مهما اختلفنا معه سياسي ماكر، والسياسي في كل بلاد الدنيا هو مثل المحارب في الزمن القديم، (يكر) إذا رأى أن الفرصة مواتية، و(يفر) إذا واجه ما لم يكن في الحسبان، وهو الآن في مرحلة (فرار) وهذا ما يُشير إليه قراره الأخير بتسليم هذا الإرهابي الإخواني إلى سلطات بلاده.
أعرف أن من أصيب بفيروس الأيديولوجيا لا يُمكن أن يُحكِّم العقل، ويتوشح بالموضوعية، ولا يعترف بأخطائه بل يصر عليها، لكن أردوغان في حقيقته ليس (إخوانيا)، وإنما يدعي التأخون؛ فدستور البلد التي يحكمها دستورًا علمانيًّا صرفًا، يقف من كل الأديان والطوائف والمذاهب مسافة متساوية، فلا يميل إلى هذا على حساب الآخر، وهذا ما يصرح به على رؤوس الأشهاد ولا يخفيه، ولأن احتضانه لجماعة الإخوان كانت تكتيكية، لتحقيق غايات سياسية، ابتدأ يتخلى عنهم شيئًا فشيئًا، لأن مصالحه تملي عليه ذلك، فرهانه عليهم كان رهانًا مؤقتًا، وليس دائمًا كما يتصور كوادر الإخوان، وبالذات السذج منهم، مثل أغلب الإخونج السعوديين الفارين إلى تركيا للأسف. فهم كما تشير المؤشرات أصبحوا عالة عليه، أفقدته كثيرًا من القدرة على الحركة والمناورة، كما أن ارتباطهم بالإرهاب أصبح واضحا للعيان، وبالذات في مصر وليبيا؛ أضف إلى ذلك أن الدول التي جعلته هذه الجماعة يُناصبها العداء دول كبيرة وذات ثقل ووزن إقليميًّا وعالمياً، في مقابل دويلة قطر، وليس لدي شك أن أردوغان يعي تمامًا أنها دويلة لا ثقل لها ولا تأثير، اللهم إلا المال، لذلك فإنني على ثقة أن تسليم ذلك الإرهابي أزعج أول من أزعج قطر وجعلها تتوقع الأسوأ مستقبلاً، خاصة وأن هناك من يذهب إلى أن دويلة قطر -أيضًا- تتلكأ في تسليمه المبالغ التي وعدت أن تدفعها لتركيا، فكانت هذه الخطوة إضافة إلى ما ذكرت موجهة كذلك لتلك الدويلة المجهرية لحثها على الوفاء بوعودها.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن أردوغان يعرف من أين تؤكل الكتف القطرية، ويستثمر بدهاء اعتمادها عليه، أما جماعة الإخوان فورقة باتت محروقة، تُحرجه دون أن يستفيد منها.
إلى اللقاء